من ندوة  "رواد المشرق العربي" في أبوظبي (أرشيف)
من ندوة "رواد المشرق العربي" في أبوظبي (أرشيف)
الخميس 19 ديسمبر 2019 / 20:15

الخليج العربي في نصوص الرحالين والمؤرخين البرتغاليين

قبل حوالي عشرة أعوام وبالتحديد في 2009 انطلق من دائرة أبوظبي للثقافة والسياحة مشروع ثقافي معرفي تأسيسي هو سلسة "رواد المشرق العربي" الذي صدر منه حتى الآن أكثر من أربعة وخمسين إصداراً علمياً رصيناً خاصاً بأدب الرحلات إلى منطقة الخليج العربي، منذ أكثر من خمسة قرون.

انطلاق مشروع "رواد المشرق العربيّ" من أبوظبي يؤكِّد أهميتها الكبرى في كونها عاصمة ثقافيّة عالميّة احتفت ولاتزال تحتفي بالمشاريع الثقافيّة التأسيسيّة المغايرة ذات البصمة الاستثنائيّة في تاريخ المعرفة الإنسانيّة

لقد شكلت هذه الرحلات الأوروبية المتعددة التي توافدت إلى هذه المنطقة مع عصر الكشوف الجغرافية الكبرى، وبدء حركات الاستعمار الأوروبي، عنصراً أساسياً من عناصر المثاقفة الحضارية والتعرف إلى "الآخر" العربي.

ولاشك أن دراسة متون هذه الرحلات الأوروبية المبكرة، وخاصة النادرة منها تمثل مصدراً أساسياً لتوثيق تاريخ منطقة الخليج العربي من النواحي السياسية، والاقتصادية، والثقافية الأنثروبولوجية في حقب تاريخية غاب فيها الارشيف المحلي الخليجي.

وانطلاقاً من الأهمية الاستثنائية لهذه الرحلات الأوروبية والبرتغالية منها على وجه التحديد، تعكف سلسلة رواد المشرق العربي من دائرة أبوظبي للثقافة والسياحة حالياً على ترجمة ونشر ثلاثين نصاً وبحثاً برتغالياً عن تاريخ المنطقة من مجموعات نادرة من المخطوطات والوثائق والكتب، من أواخر القرن الخامس عشر إلى النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي.

لقد استمر الاحتلال البرتغالي لمنطقة الخليج العربي قرابة قرن ونصف من الزمان، بين 1507و 1650، وفي هذه الحقبة التاريخية الإشكالية كتب عدد كبير من الرحالين والمؤرخين البرتغاليين عن تاريخ المنطقة، وعن سكانها وثائق بالغة الأهمية، ولكن نسبة المترجم منها إلى اللغة العربية في حكم النادر.

ومن الجهود المهمة في هذا المجال جهود الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات، حاكم إمارة الشارقة في كتابه "رحلة بالغة الأهمية، المخطوطة الكاملة لكتاب دوراتي باربوزا 1565"، الذي عاد فيه إلى مخطوطة برتغالية ظلت مفقودة مدة قرن كامل، واقتناها الشيخ الدكتور القاسمي في 2012. وتعود أهمية هذه المخطوطة إلى  أنها رحلة الرحالة البرتغالي دوراتي باربوزا إلى مناطق عدة منها جلفار، والشارقة، والبحرين، والقطيف، ومضيق هرمز.

اشتغل الدكتور أحمد إيبش على هذه النصوص البرتغالية المبكرة بالترجمة والدراسة، وأمضى قرابة تسعة أعوام من الاشتغال الجاد المكثف من خلال مراسلة مكتبة البرتغال الوطنية، ودار الوثائق الوطنية في توري تومبو،  في جمع هذه النصوص الرحلية النادرة.

وقد قرأ الأستاذ الدكتور حمد محمد بن صراي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الإمارات نصوص الرحلات المترجمة وقدم ملاحظات تاريخية مهمة حولها. وقد نشرت سلسلة "رواد المشرق العربي" الأجزاء الثلاثة الأولى من هذا المشروع الثقافي المهم جداً بعنوان "الخليج العربي من خلال نصوص الرحالين والمؤرخين البرتغاليين إبان عصر الكشوف الجغرافيّة الكبرى والاحتلال البرتغالي للخليج 1507-1650م".

تعود أهمية هذه النصوص الرحلية المبكرة إلى جعلنا نعيد قراءة تاريخ المنطقة مرة أخرى من خلال هذه الوثائق، وربطها بنصوص أخرى لرحالين أوروبيين وفدوا إلى منطقة الخليج العربي في العصور اللاحقة، ما يؤدي إلى قراءة تفكيكية عميقة في تاريخ الخليج العربي.

ومن الرحلات التي ترجمتها سلسلة "رواد المشرق العربي" رحلة بيرودا كوفيليا، أول برتغالي يزور الخليج العربي والجزيرة العربيّة. ويذكر الدكتور أحمد إيبش أن هذا الرحالة البرتغالي استبد به الفضول لزيارة مدينتي الإسلام المكرمتين: مكة، والمدينة فتنكّر في زيّ حاج مسلم في 1493.

ومن الرحلات التي حققها الجزء الأول من هذا المشروع الثقافي الضخم، رحلات بارتولوميو دياس، وبيرو دا كوفيليا، وألفارو فيليو،  وجواو دي سا، ودوارتشه باربوزا، وغاشيار كوريا،  وجواو دي باروش، وجواو دي ميرا، وأنطونيو دي سالدانيا، وغريغوريو دا كوادرا وغيرهم، كما اشتملت الأجزاء الثلاثة الأولى من هذا المشروع على دراسات تاريخية عن تاريخ منطقة الخليج العربي، بأقلام مؤرخين برتغاليين ينتمون إلى تلك الحقبة التاريخيّة.

إن انطلاق مشروع "رواد المشرق العربي" من أبوظبي يؤكد أهميتها الكبرى باعتبارها عاصمةً ثقافيةً عالميةً احتفت ولاتزال تحتفي بالمشاريع الثقافية التأسيسية المغايرة ذات البصمة الاستثنائية في تاريخ المعرفة الإنسانية.

أشكر القائمين على هذا المشروع الإماراتي الثقافي الاستثنائي وفي مقدمهم  الأستاذ سعيد حمدان الطنيجي والعاملين معه. وأرجو أن تنتبه كليات الآداب والعلوم الإنسانية في جامعاتنا الخليجية، فتجعل نصوص مشروع "رواد المشرق" من المصادر الأساسية التي يعود إليها أساتذة هذه الكليات وطلابها لإنجاز مقاربات منهجية خاصة بالخليج العربي، انطلاقاً من الدراسات البينية التي تتقاطع فيها حقول معرفية متعددة.