إسرائيليون يمينيون متطرفون يتظاهرون في القدس.(أرشيف)
إسرائيليون يمينيون متطرفون يتظاهرون في القدس.(أرشيف)
الأحد 22 ديسمبر 2019 / 20:27

اليمين الإسرائيلي يلعب بنار حارقة..!

محاباة إسرائيل، بل والمبالغة في التعبير عنها، تكاد تكون قاسماً مشتركاً بين قوى اليمين الشعبوي، والمحافظين، والقوميات الدينية والبيضاء الصاعدة في مناطق مختلفة من العالم

يمثل فوز بوريس جونسون، على رأس حزب المحافظين في بريطانيا، آخر علامات صعود اليمين الشعبوي والميول المحافظة والانعزالية في مناطق مختلفة من العالم. ولهذا دلالات كثيرة بالنسبة لمستقبل بريطانيا، والاتحاد الأوروبي في المقام الأوّل، ولكن ما يعنينا، في هذا المقالة، يتمثّل في موقف حكومة المحافظين من إسرائيل.

فمن اللافت أن التحديات والمشاغل الداخلية والخارجية الكثيرة، التي تجابه هؤلاء، عشيّة الخروج من الاتحاد الأوروبي، لم تحل دون أن يضعوا على سلّم أولياتهم مشروع قانون لتحريم مقاطعة إسرائيل. لم يُسن القانون في البرلمان بعد، ولكن من المُستبعد أن تجد الأغلبية المحافظة صعوبة في تمريره. وفي حال إقراره، ستلتحق بريطانيا بالولايات المتحدة وبلدان أوروبية مختلفة سنّت قوانين مشابهة بدرجات متفاوتة من التعميم والتشدد.

وما يستدعي التأمل، في هذا الصدد، أن ثمة مفارقة تكاد لا تثير اهتمام أحد رغم ما يتصل بها من تداعيات بالغة الدلالة والأهمية. والمقصود أن محاباة إسرائيل، بل والمبالغة في التعبير عنها، تكاد تكون قاسماً مشتركاً بين قوى اليمين الشعبوي، والمحافظين، والقوميات الدينية والبيضاء الصاعدة في مناطق مختلفة من العالم.

والمفارقة، هنا، أن اليسار الغربي عموماً، بألوان طيف مختلفة، وحتى عقود قليلة مضت، كان هو حليف إسرائيل، والمدافع عنها، بالمعنى الأيديولوجي والسياسي. وكان هذا نتيجة تضافر تاريخية، إضافة إلى رهانات وحسابات سياسية خاطئة. فالقوّة الأساسية الفاعلة في قيادة الحركة الصهيونية، والدولة الإسرائيلية، في عقودها الأولى، كانت يسارية.

وبين المؤرخين من يعزو تأييد الاتحاد السوفياتي لقرار التقسيم عام 1947 إلى تعاطف الروس مع مشروع دولة يهودية اشتراكية، وحليفة لهم، في فلسطين. وهذا ما تجلى، أيضاً، في موافقتهم على صفقة الأسلحة التشيكية، التي حصل عليها الإسرائيليون في حرب العام 1948.

ورغم أن السوفيات أدركوا فشل الرهان على الدولة اليهودية الاشتراكية، والحليفة، بعد قيام إسرائيل بسنوات قليلة، إلا أن نقد اللاسامية، والعداء للتمركزات القومية، والنزعات العنصرية، كان مكوناً أساسياً في أيديولوجيا اليسار، التي حرصوا على تعميمها والدعاية لها في العالم.

أما اليمين الأوروبي والغربي، بأطيافه المختلفة، فكان بمثابة حاضنة أيديولوجية للتمركزات القومية والعنصرية، بما فيها العداء للسامية، وقد ألحقت به النتائج المُروّعة للحرب العالمية الثانية، بما فيها الهولوكوست، ضربة قاصمة، وأفقدته حتى عقود قليلة مضت كل جدارة يُعتد بها في سياسة الغرب وثقافته. لذا، لم يثر قرار الأمم المتحدة في عام 1975 إدانة الصهيونية بوصفها شكلاً من أشكال العنصرية، ضجة كبيرة في العالم. ويصعب، في الوقت الحاضر، التفكير في صدور قرار كهذا، مع ملاحظة أن الأمم المتحدة عادت وتراجعت عن القرار المذكور.

والمهم أن البطانة الأيديولوجية لليمين الأوروبي، والشعبويات الصاعدة، والقوميات الدينية والبيضاء، وقد تجدها كلها متشابكة ومتداخلة، معادية للسامية في الجوهر، أو ملتبسة في أفضل الأحوال. ومع ذلك، أصبحت محاباة إسرائيل، بل والمبالغة في التعبير عنها، جواز مرور للعبور من الهامش السياسي والاجتماعي في أوروبا والولايات المتحدة إلى مركز المشهد السياسي وقلبه.

ولم يكن في وسع قوى كهذه النجاح في مسعى التخلّص من أعباء وأدران الماضي دون توطيد علاقات تصل إلى حد التحالف مع اليمين الإسرائيلي، الذي صعد مع صعود نتانياهو، على مدار العقدين الماضيين، في إسرائيل. والواقع أن الثمن الذي يدفعه هؤلاء كعربون للتحالف مع اليمين الإسرائيلي ونيل رضاه يتمثل في "الدفع" من رصيد المسألة الفلسطينية، ونقض سياسات ومواقف تقليدية لحكومات وإدارات سابقة، ناهيك عن تجاهل القانون الدولي، والشرعية الدولية.

يدرك نتانياهو، وأقطاب اليمين في إسرائيل، أنهم يغامرون بالتحالف مع قوى معادية للسامية، في الجوهر، وأن صعودها قد يمثل خطراً على اليهود، في مجتمعات غربية كثيرة، وعلى إسرائيل نفسها، في يوم ما، ولكنهم في سباق مع الزمن لتصفية القضية الفلسطينية بالتعاون مع قوى لا يعنيها أمر الفلسطينيين والإسرائيليين بقدر ما يعنيها الانتقال من الهامش إلى المتن في بلدانها، وتنظيف تاريخها من أدران كثيرة.

بمعنى أكثر مباشرة: في سنواتها الأولى استفادت إسرائيل من السوفيات، وفي زمن احتدام الحرب الباردة التحقت بالمعسكر الغربي، وعثرت في الديمقراطيات الليبرالية في الغرب على الحامي والسند والمموّل، والآن توشك على القفز من مركب الديمقراطيات الليبرالية، وتحاول وضع البيض في سلة شعبويات اليمين والمحافظين والقوميات الدينية والبيضاء الصاعدة بوصفها موجة المستقبل.

وهذه في كل الأحوال مجازفة محفوفة بالمخاطر. فثمة الكثير من الظلال السود في تاريخ، وأيديولوجيا، وأوهام، ورهانات اليمين والمحافظين والقوميين الجدد في أوروبا والولايات المتحدة. وما يبدو للوهلة الأولى نوعاً من "الشطارة" في صياغة المواقف والتحالفات يبدو، أيضاً، نوعاً من اللعب بالنار. ومن المؤكد، بنظرة بعيدة المدى، أن اليمين الإسرائيلي يلعب بنار القوميات الدينية والعرقية الأوروبية والأمريكية الحارقة، التي اكتشفت في المسلمين عدواً مثالياً في الوقت الحاضر، ولكنها لن تتأخر كثيراً في اكتشاف اليهودي، كعدو، أيضاً.