حملة دعائية للانتخابات الفلسطينية (أرشيف)
حملة دعائية للانتخابات الفلسطينية (أرشيف)
الثلاثاء 24 ديسمبر 2019 / 20:24

الانتخابات الفلسطينية بين المنع والامتناع

ما زال الفلسطينيون منشغلين بموضوع الانتخابات العامة، ويتجادلون في صالوناتهم ومنابرهم بشأن ما إذا كانت ستتم بالفعل، أم أن كثرة الحديث عنها هو بديل مقصود أم غير مقصود للامتناع عن إجرائها؟

إجراء الانتخابات العامة هو قرار سيادي ووطني واستراتيجي بامتياز، ولا يصح أن لا ينفذ تحت طائلة المنع أو المنح الإسرائيلي

القوى السياسية الفلسطينية جميعاً وبمختلف مسمياتها وأحجامها، لا تكف عن الحديث عن أهمية الانتخابات في حياة الشعوب، إلا أن كثيرين منهم يوعزون لكتابهم بإظهار المعوقات التي تؤدي الى استحالة إجرائها، وبعض آخر يذهب في تحليله إلى أن الانتخابات العامة لن تحل مشاكل النظام السياسي، ويستخدمون مصطلحاً شائعاً للسخرية منها كالقول إنها "لن تخرج الزير من البير".

كلمة المنع الواردة في عنوان هذه المقالة، تخص إسرائيل، إذ يبدو أن المنع في ظل الاقتتال الانتخابي الذي يعتبره اليمين مصيرياً بالنسبة لنفوذه، مرجح أكثر من احتمال الموافقة، إلا إذا تعرضت إسرائيل إلى ضغط أمريكي يجبرها على الموافقة، مثلما حدث في المرتين السابقتين، وهذا إن لم يكن مستبعداً فهو ما يزال غامضاً.

أما الامتناع فهو يخص السلطة الرسمية التي يمثل شرعيتها المعترف بها الرئيس محمود عباس، فهي تعلن امتناعها عن اجراء الانتخابات في الضفة والقطاع إذا لم تتمكن من إجرائها في القدس بفعل قرار المنع الإسرائيلي المتوقع.

التسابق في إظهار مزايا الانتخابات العامة لم يغط على استماتة جيش عريض بعدم إجرائها، وهذا الجيش مكون من قوى وأفراد يرون في استمرار الوضع الراهن ميزة لهم ولنفوذهم وللامتيازات التي يعيشون فيها بالوراثة.

إن انتخابات عامة ونزيهة تعني فضح قلة نفوذ الذين يجلسون في الواجهة بلا مبرر وظهور منافسين أكفاء لهم يتفوقون عليهم بشرعية صندوق الاقتراع.

الذين لا يريدون انتخابات هم أولئك الذين يستندون إلى ما كان يسمى بشرعية البندقية، التي توقفت عن العمل منذ آخر طلقة في جنوب لبنان، والتي استبدلت فعلاً بوظائف السلطة وامتيازاتها، بمعنى أن البندقية التي يستظل البعض بشرعيتها توقفت عن العمل إلا أنها لم تتوقف عن الاستخدام الدعائي.

في لقاء جمعني مع الرئيس محمود عباس قدم الرجل قرائن دامغة على أن الاستنكاف عن إجراء الانتخابات العامة، سيؤدي إلى إنهاء الشرعية التي يعتبر هو آخر معالمها، وقال... هيهات .. هيهات أن تتأسس شرعية جديدة دون ان يكون صندوق الاقتراع هو وحده صاحبها.

غير أن تريث الرئيس عباس في إصدار المرسوم الذي يحدد موعد الانتخابات العامة، وجد من يفسره باسمه أو بالنيابة عنه، بالقول إن السلطة تنتظر رد الحكومة الإسرائيلية على طلب السماح لأهل القدس بالمشاركة في الانتخابات، وفي سياق هذا التفسير قيل إن لا انتخابات في أي مكان إن لم تسمح إسرائيل إجرائها في القدس.

اقترح كثيرون أن تكون الانتخابات في القدس موضوع معركة مع الاحتلال، وأن تتوجه لجنة الانتخابات المركزية إلى المدينة للتحضير العملي لإجرائها، وأن يستدعى مراقبون دوليون للإشراف عليها وسيأتون بالمئات، ولتصور الكاميرات العالمية الجيش الإسرائيلي وهو يصادر الصناديق ويمنع لجنة الانتخابات من العمل، ومن أجل مزيد من تأكيد حضور القدس والمقدسيين في الانتخابات العامة، يصبح ضرورياً بل والزامياً أن تضم كل قائمة انتخابية ممثلين عن القدس من الذين يقيمون فيها ويرافق ذلك حملة سياسية وإعلامية واسعة، وفي معركة كهذه فإن إسرائيل هي الخاسرة.

لقد أخطأت السلطة الوطنية حين توجهت بطلب من إسرائيل بالسماح بإجراء الانتخابات في القدس، وها هي تواصل الخطأ اذ تنتظر من بينيت ونتانياهو قراراً بهذا الشأن.

إن إسرائيل ستتعامل مع هذا الطلب كإقرار فلسطيني بأنها مرجعية المنح والمنع.

إن اجراء الانتخابات العامة هو قرار سيادي ووطني واستراتيجي بامتياز، ولا يصح أن لا ينفذ تحت طائلة المنع أو المنح الإسرائيلي، وإذا كان هنالك من يعتقد أو يحاول تسويق فكرة أننا نفقد أحقيتنا في القدس بفعل إجراء الانتخابات من عدمه فهذا فهم ساذج، ذلك أن أحقيتنا في القدس أقوى وأعمق من هذه المسألة، ورغم ان إسرائيل تحتلها بقوة السلاح وتنفق المليارات لتهويدها وإنهاء الوجود الفلسطيني فيها إلا أن كل ما فعلته إسرائيل على مدى أكثر من نصف قرن لم يلغ من الواقع المتكرس حقيقة أن القدس الشريف هي عاصمة الفلسطينيين وقلب حقوقهم ووطنهم ومصيرهم.