الخميس 26 ديسمبر 2019 / 13:58

كيف أدت أوهام أردوغان إلى اعتقال ناشط ثقافي؟

أضاء الصحافي التركي المخضرم بوراك بكديل على قضية رجل الأعمال الذي تحول إلى النشاطات الخيرية عثمان كوالا، واعتقلته تركيا منذ حوالي عامين، وفي "معهد غيتستون" الأمريكي، أشار بكديل إلى أن كوالا عمل على ترويج الفنون، والثقافة، والتاريخ بعد أن بدأ يخصص وقته للمجتمع المدني منذ أوائل التسعينات.

حتى لو تم الإفراج عن كوالا بعد فترة قصيرة وفقاً لما ينص عليه الدستور، سيكون قد أمضى حوالي 800 يوم في السجن من دون جرم

وتقول سيرته الذاتية إنه "خصص حياته لبناء مجتمع مدني وعادل". تسعى مؤسسته الثقافية الأناضولية إلى ردم الهوة بين الإثنيات من خلال الفن، ومن ضمنها الجارة أرمينيا التي لا تجمعها بتركيا علاقات ديبلوماسية، لكن كوالا لم يعلم أن نشاطاً مماثلاً سيودي به إلى السجن في يوم من الأيام.

اتهام بعد 6 أعوام
لا يزال كوالا في السجن دون حكم منذ 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 أي ما يوازي 800 يوم. قبض عليه في مطار اسطنبول عند عودته من لقاء مع ممثلي معهد غوته الألماني في غازي عنتاب جنوب تركيا، أين كان يدعم مشروعاً للاجئين السوريين.

أمرت محكمة جنائية باحتجازه بناءً على شبهة تنظيمه الاحتجاجات المناوئة للحكومة في حديقة فيزي في اسطنبول في 2013، والتي انتشرت في محافظات عدة مع مشاركة ملايين الأتراك فيها.

في مارس (آذار) 2019، اتُهم كوالا و15 آخرين بـ "محاولة الإطاحة بالحكومة أو منع عملها جزئياً أو كلياً" لدورهم المزعوم في التظاهرات. وبعبارة أخرى، أتت التهم ضد كوالا وآخرين بعد حوالي 6 أعوام من التظاهرات التي قمعتها قوات الأمن بوحشية.

وهم خيالي
يشير توقيت الاتهام إلى الرواية الحقيقية خلف محاكمة كوالا التي يصفها بأنها "وهم خيالي"، ففي كلمتين في نوفمبر(تشرين الثاني) وديسمبر(كانون الأول) 2018، اتهم الرئيس الإسلاموي رجب طيب أردوغان كوالا بـ "تمويل الإرهابيين" وبتمثيل "ذلك اليهودي الشهير جورج سوروس الذي يحاول تقسيم وتمزيق الأمم."

بعد ثلاثة أشهر، وجهت له محكمة الاتهام نفسه الذي أطلقه ضده أردوغان. ورغم أن الاتهام لا يقدم أي دليل على تورط كوالا في أي تظاهرة عنيفة، إلا أن المحكمة أشارت إلى محادثات كوالا الهاتفية مع أشخاص عاديين، وأكاديميين، ومنظمات غير حكومية، واعتبرتها برهاناً على "نشاط إرهابي".

إخفاق حتى في قراءة الخرائط

وجدت الشرطة خريطة لتركيا والمنطقة الأوسع في هاتفه الذكي، واتخذها المدعون العامون دليلاً على نواياه لتدمير وحدة الأراضي التركية، وجهوده "لإعادة ترسيم الحدود في الشرق الأوسط". واتضح لاحقاً، كانت الخريطة تظهر مواقع انتشار أنواع من النحل في المنطقة.

يزعم الاتهام الذي ورد في 657 صفحة أن كوالا تدرب لتنظيم احتجاجات غيزي عبر منظمة تدعى أوبتور، والأخيرة منظمة صربية هدفت إلى الإطاحة بسلوبودان ميلوزيفيتش مع "فلسفة احتجاج مزخرفة بالفكاهة و موسيقى روك أند رول، حول العالم". ويضيف بكديل، أن كوالا كان محقاً تماماً في وصفه هذه المسرحية القانونية بـ "الوهم الخيالي".

هدف مستتر
لم يكن مفاجئاً أن تدعو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر(كانون الأول) الماضي، إلى الإفراج عن كوالا، مشيرة إلى نقص في الشك المعقول في ارتكابه اعتداءً. ووجدت المحكمة وفقاً لبيانها الرسمي أن احتجاز كوالا "يسعى إلى هدف مستتر، هو إسكاته"، وذكرت أن الاتهامات التي واجهها واعتقاله "من المرجح أن يكون لها تأثير رادع على عمل المدافعين عن حقوق الإنسان".

ووجدت المحكمة خرقاً للمادة 5-1 (ج) التي تحدد أسس الاعتقال القانونية و 5-4 التي تضمن حق جميع المحتجزين في مراجعة سريعة لشرعية احتجازهم، والمادة 18 التي تحظر القيود المفروضة على الاتفاقية الأوروبية بسبب دوافع خفية. وأضافت المحكمة أن أي استمرار في احتجاز كوالا سيعني "تمديداً لخرق المادة 5-1 والمادة 18".

رغبات المرشد الأعلى والقمع الإسلاموي

شرح بكديل أن تركيا وقعت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وأن على محاكمها الالتزام بأحكامها. لكن في تركيا الأردوغانية، خرقت المحاكم المحلية قرارات المحكمة التركية العليا تماشياً مع رغبات المرشد الأعلى، وأوامره.

وساءً قبلت المحاكم التركية إطلاق سراح كوالا، وهو أمر واجب عليها وفقاً للمادة 90 من الدستور، أو قررت إبقاءه في السجن، ستظل قصة السجن مثلاً واحداً عن القمع الإسلاموي القاسي على نقاد الحكومة.

وحتى لو أُفرج عن كوالا بعد فترة قصيرة، وفقاً لما ينص عليه الدستور، فسيكون قد أمضى حوالي 800 يوم في السجن دون جريمة، وبدءاً من تلك اللحظة سيتحمل معاناة قانونية ضد دولة لا تتحمل المعارضة وفقاً لبكديل.