اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند ولي عهد النمسا والمجر الذي أطلق الحرب العالمية الأولى (أرشيف)
اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند ولي عهد النمسا والمجر الذي أطلق الحرب العالمية الأولى (أرشيف)
السبت 28 ديسمبر 2019 / 19:51

نهاية عقد... بداية عقد

أرسلت مستفسراً إلى أحد الأصدقاء المتخصصين في اللغة، إذا كانت كلمة "العشرينيات" تشير إلى فترة العقد الثالث من القرن، فكيف نُعبر لغوياً إذا تحدثنا عن الفترة الزمنية الواقعة بين 2000 و2009، و 2010 و2019؟ فأخبرني أنه لم يجد في بحثه سوى قول العقد الأول والعقد الثاني من القرن، وما أراه أسهل هو قول العشرية الأولى والثانية.

ديسمبر هذه السنة مختلف عن السنوات التسع السابقة، حيث أنه يُسدل الستار على عقد مُثخن باليأس وخيبات الأمل، ليستقبل عقداً حافلاً بالرؤى والآمال.

 تراءى لي أن العقد الثاني من القرن 21 يشبه إلى حد ما نظيره في القرن 20، فكلا العقدين تغمرهما الاضطرابات والكوارث والمحن والمآسي.

في العقد الثاني من القرن 21، أحرق التونسي محمد البوعزيزي نفسه، ليشعل دون قصد، فتيل ثورات "الربيع العربي" التي لم تكن لا ثورات، ولا ربيعاً، ولا عربياً، اضطربت أحوال دول المنطقة، نزفت دماء الأخوة الذين حركتهم أيدٍ خارجية مشبوهة وفاسدة، وتشكلت جغرافيا جديدة، صاحبها انهيار أنظمة حاكمة، وقيام دول كرتونية متطرفة، وصعود جماعات متهورة.

في نفس العقد من القرن 20، وبعد غرق سفينة تايتانك ومقتل مئات من المسافرين، تفجرت الأوضاع السياسية في أوروبا بسبب اغتيال ولي عهد امبراطورية النمسا والمجر، الأرشيدوق فرانز فرديناند، في كوسوفو، ليعطي هذا الحدث، الضوء الأخضر لاندلاع الحرب العالمية الأولى لمدة أربعة أعوام، والتي راح ضحيتها الملايين من الذين لم يسمعوا عن الأرشيدوق طوال حياتهم، ولم يعرفوا لماذا بدأت هذه الحرب، ولماذا انتهت، انهارت على إثر تلك الحرب أنظمة الحكم في النمسا، والمجر، وألمانيا، وتركيا، وتشكلت جغرافيا جديدة في المنطقة.

ثم اندلعت الثورة الروسية البلشفية في 1917، التي كانت هي الأخرى، وبالاً أشد وطأة على العالم من وبال الحرب العالمية الأولى لمدة تزيد عن سبعين عاماً، ولم تُرد الإنفلونزا الأسبانية أن ينتهي العقد دون أن تأخذ نصيبها من الكعكة، ففتكت بعشرات الملايين من الناس حول العالم، لتأذن بنهاية ذلك العقد الأسود.

ثم جاءت فترة العشرينيات من القرن العشرين، والتي كانت فترة ازدهار اقتصادي، وهدوء سياسي بعد سلسلة من الحروب والكوارث في العقد الذي سبقه، ازدهرت الفنون، والعلوم، وصناعة السيارات، اجتاحت الكهرباء مختلف مناطق العالم، واكتشف ألكسندر فلمنج المضاد الحيوي، واستخلص العلماء مادة الأنسولين لعلاج المرض السكري، ليكون هذان الاكتشافان الطبيان هما سببا إنقاذ حياة مئات الملايين من الناس، إلى يومنا هذا.

أتمنى أن تكون فترة العشرينيات في هذا القرن كمثيلتها في القرن السابق، وأن يكون العقد القادم عقداً حافلاً بالفتوحات العلمية التي تمهد لكبح الفقر، والبطالة، وازدهار الاقتصاد، وتقدم الذكاء الاصطناعي، وكسر شوكة السرطان، وأمراض الشيخوخة، وتقدم العمر، وانفتاح ثقافات العالم على بعضها بعضاً، وخلق جيل يستخدم العلوم الفلسفية والنقدية بيد، والعلوم الطبيعية والتجريبية بيد أخرى.

قبل أن أرسل المقال للنشر، غرد الشيخ محمد بن راشد في حسابه في تويتر في 27 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، بتغريدة تصلح لأن تكون خاتمة الدروس لهذا العقد المُثخن عربياً بالآلام والمآسي... وتصلح لأن تكون عنوان التفاؤل والإرادة للعقد القادم:

"علمتني الحياة أن الخليفة عمر بن الخطاب كان يخاف..كان يخشى أن تتعثر بغلة في الطريق فيُسأل عنها... نرى اليوم حياة الملايين من الشباب العربي تتعثر ..وآمالهم تتبخر ..بسبب حاكم يخشى النوم بين شعبه.. علمتني الحياة‬⁩ اذا خاف حاكم من شعبه .. فلا بد أن يخاف الشعب على مستقبل بلاده.."

كل عام وأنتم بخير... ووداعاً يا أيتها العشرية الثانية، وداعاً لا لقاء بعده.