الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الأحد 29 ديسمبر 2019 / 19:53

نذير شؤم في الأفق...!

من اللافت ظهور الرئيس التركي أردوغان، في الآونة الأخيرة، بالزي العسكري. وإن لم يكن في سلوك كهذا، من جانب رئيس مدني، ما يكفي لتبرير القلق، فإن صورته بالثياب العسكرية راسماً بيده بإشارة "رابعة" الإخوانية تبدو نذير شؤم، خاصة في ظل ميل واضح، ومتزايد، إلى عسكرة السياسة الخارجية، كما تجلى في سابقة إرسال عسكريين إلى قطر، وإنشاء قواعد عسكرية هناك، والتدخل عسكرياً في سوريا، والتمهيد لتدخل مشابه في ليبيا.

في إرسال قوّات عسكرية إلى قطر البعيدة، وفي الاستعداد للتدخل العسكري في ليبيا التي لا تربطها بها حدود مباشرة، وتبعد عنها مسافة تزيد عن ألفي كيلومتر، ما لا يمكن تفسيره بعيداً عن الطموحات السلطانية من ناحية، واللعب بورقة الإسلام السياسي، على نطاق إقليمي من ناحية ثانية

ولا أريد الخوض في تفاصيل زيارته الأخيرة إلى تونس، وما تسرب عنها من أخبار حتى الآن، فهناك الكثير من التعليقات والتحليلات في هذا الشأن، بل الإشارة إلى حقيقة أن تركيا الأردوغانية تلعب، الآن، على المكشوف، وقد توسع مسرح عملياتها وتجاوز ما تبرره مقتضيات أمنها القومي، والمصلحة الاقتصادية. وفي كل الأحوال، ثمة دلالات ينبغي أن توضع في الحسبان.

فاللعب على المكشوف ينطوي على رسائل مزدوجة، دائماً. وقد يعني، في حالات معينة، ثقة أكبر بالنفس. ويمكن أن يعني، أيضاً، نفاد الصبر، والسباق مع الزمن، وسياسة الهرب إلى الأمام بالمغامرات العسكرية.

ويصعب، بالتأكيد، تحليل التدخلات العسكرية التركية، وسياسة تركيا الخارجية، عموماً، منذ سقوط حكم الإخوان في مصر، وفشل الرهانات في سوريا، دليلاً على ثقة زائدة بالنفس، وترجمة لحسابات سياسية وعسكرية بعيدة النظر، ومن شأنها تحقيق مردود استراتيجي يبرر ويُفسِّر المجازفة.

فمن الواضح، خاصةً منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة، أن السلوك العصبي والعُصابي بات علامة فارقة في سياسة تركيا الأردوغانية، وأن سياسة القبضة الحديدية في الداخل تسير بالتوازي مع طموحات سلطانية، تبدو وكأنها أفلتت من عقالها.

وفي الحالتين، وما نجم عنهما من رهانات ومجازفات، ثمة ما يدل على ممانعة من جانب قوى مختلفة، وقرع أكثر من جرس للإنذار. فقد تحول أشخاص أسهموا في صعود أردوغان، كما حدث أخيراً مع داود أوغلو، المُنظر السابق لحزب العدالة والتنمية، إلى منافسين أقوياء، وهذا يعني أن دائرته السياسية والشخصية الضيقة بدأت في التصدع.

وإذا كان في الجغرافيا السياسية ما يمكن تركيا الأردوغانية من تبرير رهاناتها في سوريا، منذ اندلاع الثورة، بمقتضيات الأمن القومي، بصرف النظر عن خطأ الرهانات أو صوابها، فإن في إرسال قوات عسكرية إلى قطر البعيدة، وفي الاستعداد للتدخل العسكري في ليبيا التي لا تربطها بها حدود مباشرة، وتبعد عنها مسافة تزيد عن ألفي كيلومتر، ما لا يمكن تفسيره بعيداً عن الطموحات السلطانية من ناحية، واللعب بورقة الإسلام السياسي، على نطاق إقليمي من ناحية ثانية.

فما يحدث في ليبيا لا يمثل تهديداً للأمن القومي التركي. والصراع بين الليبيين، بعد سقوط القذافي، حتى وأن تقنع بتعبيرات أيديولوجية، ينم في المقام الأول عن حساسيات مناطقية، وتوازنات قبلية، وتصفية حسابات نجمت عن حالة احتقان طويلة في زمن جماهيرية العقيد.

ومن الواضح أن تركيا الأردوغانية تُعيد تعريف نظرية الأمن القومي للدولة التركية لتجعل من دور شرطي الشرق الأوسط أحد مكوناتها الرئيسة، وتجعل جماعة الإخوان، والإسلام السياسي وجماعاته الإرهابية والمسلحة، حصان طروادة في كل مكان تسعى لتثبيت أقدامها فيه، والسيطرة عليه.

وفي مثل هذا السياق يُلقي التدخل التركي في ليبيا بظلاله الأمنية، والسياسية، والأيديولوجية على البلدان العربية في شمال أفريقيا.

وهذه، في الواقع، قفزة كبيرة في الهواء. وإذا استثنينا التكلفة الإنسانية الباهظة لشن حروب بالوكالة في بلاد الغير، فإن الموقف مما يحدث في ليبيا يمثل مكوناَ عضوياً في مصالح الأمن القومي المصرية، والتونسية، والمغربية، والجزائرية، ناهيك عن ضفة المتوسط الأوروبية.

وبالتالي، يطرح تدخل تركيا الأردوغانية أسئلة وتحديات صعبة ومُلحة على صناع السياسة في تلك الدول، ويخلق لأردوغان أعداء أقوياء في جبهات ومجابهات جديدة، تكفي لوضع شمال أفريقيا، وضفة المتوسط الأوروبية، على "كف عفريت".

لكل هذه الأسباب في صورة أردوغان بالزي العسكري، راسماً بيده إشارة "رابعة"، ما يكفي للإحساس بالقلق، وما يبرر الكلام عن نذير شؤم في الأفق.