المسجد الكبير في كولونيا (أرشيف)
المسجد الكبير في كولونيا (أرشيف)
الأربعاء 1 يناير 2020 / 20:39

أئمة المساجد في ألمانيا

تحدثتْ المستشارة أنجيلا ميركل في السنوات الخمس الماضية، عن سياسة دمج اللاجئين في ألمانيا، التي أعقبت حروب وثورات ما يُسمى "الربيع العربي"، أو حروب الإسلام السياسي، وتدافع المستشارة ميركل عن سياسة الدمج، لأن المجتمع الألماني يعاني من الشيخوخة، بسبب انخفاض المواليد، ولأن موجات الهجرة إلى بلادها ستضخ الدماء الشابة في عروق ألمانيا العجوز.

لم يضع الغرب في حساباته، أن ورقة الإسلام السياسي، ستطال مجتمعاته، فالغرب كان يرحب دائماً، وما زال، بدعم وتسهيل الإسلام السياسي في بلاده الأصلية، كورقة بديلة للاستعمار القديم

من بين برامج دمج المهاجرين، برنامج تدريب أئمة المساجد الألمانية، لكن المشكلة أن 90% من هؤلاء الأئمة يأتون من تركيا، ويحملون الولاء السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويدعون لنصرته من على المنابر، ونصرة أردوغان تعني عند الأئمة المهاجرين إلى ألمانيا، نصرة الإسلام.

في ألمانيا 5 ملايينن مسلم، والمعروف أن أكبر جالية تركية في أوروبا، توجد في ألمانيا. لا تستطيع الحكومة الألمانية الفصل بشكل دقيق بين المتأسلم، وبين المسلم.

والفرز يكون عادةً ثمرة تعاون بين أجهزة المخابرات الألمانية، وبين المسؤولين الدينيين عن الجمعيات الإسلامية الكبرى، وهذه الشخصيات الدينية ذات النفوذ، هي التي تحدد لأجهزة المخابرات الألمانية، المتأسلم، والمسلم.

النقطة الأساسية في برنامج تدريب أئمة المساجد الألمانية، هي تعلم الألمانية، فبعض الأئمة يرفضون تعلم الألمانية، أو يهملونها، فهم ليسوا في حاجة ماسة للغة بديلة، طالما أن رواتب عملهم، تأتي بشكل مباشر، أو غير مباشر، من تركيا.

المقلق للحكومة الألمانية، أن المهاجر القديم، قبل استخدام الغرب لورقة الإسلام السياسي في الحروب، كان يجب أن يتعلم لغة البلد الذي هاجر إليه، وإلا فلن يستطيع كسب قوت يومه. واليوم يستطيع الإمام المهاجر إلى ألمانيا، أن يلقي خطبته في المسجد بالتركية، ويتحرك في شبكة قوية من العلاقات اليومية، الحياتية، دون الاضطرار لاستخدام اللغة الألمانية.

رفضت مجموعتان من أكبر الجماعات الإسلامية في ألمانيا برنامج تدريب الأئمة، أو إعداد الأئمة، المطروح من قِبَل الحكومة الألمانية، الأولى هي جماعة الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية  والثانية هي جماعة ميل غوروش الإسلامية، وتمثل الجماعتان نصف المساجد في ألمانيا، البالغ عددها حوالي 2500 مسجد.

قال الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية الذي يضم 960 مسجداً، إن له برامجه لتدريب الأئمة، ويرفض تدخل الدولة الألمانية في تلك البرامج، وأنه سيطلق برنامجاً جديداً، لتحديث تدريب الأمة في بداية يناير(كانون الثاني) 2020.

على مدار العقد الماضي، كانت ألمانيا تشعر بتنامي القلق من جماعات الإسلام السياسي التركية. وكان القلق ينصب على الأئمة الذين يديرون المساجد، خاصةً أئمة الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية.
 
وبسبب القلق، خفضت الحكومة الفيدرالية الألمانية في 2018، الأموال المقدمة للاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية، التي كانت تهدف لإعداد برامج مكافحة التطرف، ومساعدة اللاجئين.

يتخذ الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية، التابع لمديرية الشؤون الدينية للحكومة التركية، أو ديانيت، من مسجد كولونيا، أكبر مساجد ألمانيا، مركزاً له.

وفي إبريل (نيسان) 2018، أقام الاتحاد، عرضاً عسكرياً رمزياً، سلّم فيه أعلاماً تركية، وأسلحة وهمية، لأطفال فيما يُطلق عليهم "مشاريع شهداء".

هاجم المتحدث باسم المستشارة أنجيلا ميركل كريستوف دي فريس في 2018، الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية، لحضه على الكراهية، واستبعد أن يساهم هذا الاتحاد في مكافحة التطرف والإرهاب.

كما دعت نائبة حزب اليسار الألماني ذات الأصول الكردية، سيفيم داجديلن، الولايات الفيدرالية، إلى قطع جميع العلاقات مع الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية، وإعادة النظر في وضعه الضريبي.

ومن جهته وصف الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية، نفسه، بأنه محايد سياسياً، رغم دعواته المستمرة للمسلمين، للصلاة من أجل نجاح التوغل العسكري التركي في سوريا.

ودعا حزب الخضر، والديموقراطيون الأحرار، إلى ضرورة الدورات التدريبية المحلية الألمانية، لإمام المسجد الآتي من الخارج. أما حزب البديل المتطرف الألماني، فوصف الدورات التدريبية لأئمة المساجد، بخطوة نحو أسلمة ألمانيا.

أعربت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، ووزيرة الدفاع السابقة في حكومة أنجيلا ميركل، عن رغبتها في تغيير اسم حقيبة مفوض الهجرة، وربطها بـ "حماية نمط الحياة الأوروبي"، وهو الربط الذي قوبل بانتقادات النواب الأوروبيين، الذين قالوا إن أورسولا تستعير خطاب اليمين الشعبوي.

لم يضع الغرب في حساباته، أن ورقة الإسلام السياسي، ستطال مجتمعاته، فالغرب كان يرحب دائماً، ولا يزال، بدعم وتسهيل الإسلام السياسي في بلاده الأصلية، ورقةً بديلةً للاستعمار القديم، لكنه لم يكن يتصور أن السلاح نفسه، سيشكل يوماً خطورة على نمط حياته، وفي عقر داره.

وبما أن الهدم أسرع من البناء، ستبقى البرامج الغربية، مثل تدريب الأئمة، وإعادة التأهيل، ودمج المهاجرين في نمط الحياة الغربي، عديمة الجدوى، وفي أحسن الأحوال متواضعة النتائج.