قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني (أف ب)
قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني (أف ب)
الجمعة 3 يناير 2020 / 20:02

تغيير قواعد اللعبة

إيران تعرف جيداً معنى هذا الكلام، ولذلك ستلعق جراحها في صمت ولن تفعل شيئاً

لنا اليوم أن نترنم مع الشاعر العربي العظيم أبي تمام: "السيف أصدق إنباء من الكتب، في حَده الحد بين الجد واللعب". فلو كان لدى المنجّمين علم حقيقي ذو صلابة لحدثونا ولو إشارة عن هذا الحدث الكبير الاستثنائي الذي وقع في مستهل السنة الجديدة 2020 يوم الجمعة 3 يناير (كانون الثاني). إنها مفاجأة فوق كل المفاجآت، وإن أصرّت السنة الجديدة على الخروج علينا بمفاجآت أخرى، فإن مقتل قاسم سليماني سيظل أحد أبرز أحداث العام، مهما حدث.

بعد الضربة الأولى في يوم الأحد 29 ديسمبر(كانون الأول)، وقصف سلاح الجو الأمريكي خمس قواعد لكتاب حزب الله في العراق وسوريا وتصفية خمسة وعشرين مقاتلاً، وجهت القوات الأمريكية صباح الجمعة ضربة جوية مباغتة (عملية البرق الأزرق) ضد موكب عسكري فور خروجه من مطار بغداد الدولي، وأسفرت العملية الاستخباراتية الناجحة نجاحاً منقطع النظير عن مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني ومعه جمال جعفر آل إبراهيم الملقب بأبي مهدي المهندس، أحد أبرز قيادات الحشد الشعبي العراقي، والقيادي في حزب الله اللبناني محمد كوثراني. المهندس، كما كشفت ال CNN نقلاً عن مصادر الاستخبارات العسكرية الأمريكية، مطلوب من قبل الإنتربول، وصدر في حقه حكم بالإعدام لاتهامه باستهداف سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا بالسيارات المفخخة في الكويت في ديسمبر 1983.

الغارة الأمريكية قد نُفذت بواسطة مروحيات هجومية أمريكية، وقد أعلن الأمريكيون عن كونها عملية استباقية تهدف لحماية الرعايا الأمريكيين العاملين في العراق، بعد اقتحام السفارة الأمريكية. ورفعت تقارير استخباراتية تفيد أن سليماني قد أمر بتنفيذ هجمات كبيرة على القواعد الأمريكية، في محاولة منه للفرار من المأزق الإيراني في العراق، ولتشتيت جهود المتظاهرين العراقيين وتفتيت قضيتهم من خلال الاشتباك مع الولايات المتحدة وتوحيد الشعب العراقي ضدها.

 هذه المحاولة لم توفق كما هو واضح من الرد الأمريكي الصاعق. من جهة أخرى، اعتبر بعض المحللين السياسيين أن هذه العملية عبارة عن رد حاسم من الرئيس دونالد ترمب على التصريحات الساخرة التي صرّح بها آية الله علي خامنئي حين قال إن "ترامب لا يستطيع فعل أي شيء لإيران". وزارة الدفاع الأمريكية أصدرت بياناً أشارت فيه إلى أن الضربة الجوية كانت بتوجيه مباشر من الرئيس ترمب، وجاء في البيان: "بتوجيه من الرئيس، اتخذ الجيش الأمريكي عملاً دفاعياً حاسماً، لحماية الأمريكيين في الخارج عبر قتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني المصنف كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية".

"اليسار العربي التقدمي" المكلوم الباكي على سليماني ورفاقه "استنكر" و "حذّر" من أن العملية سوف تصعّد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بحيث ينتقل إلى مستوى الحرب المفتوحة بين القوات الأمريكية العاملة في العراق وعددها حوالي 5000 فرد  ووحدات الحرس الثوري الإيراني العاملة في البلاد. وقد تعامى اليسار "التقدمي" عن كون إيران التي يتباكون على مقتل قائدها العسكري الأكبر، تحتل أربع دول عربية، وأن الإيديولوجيا التي ينطلق منها الملالي، هي أشد تخلفاً من كل فكر متخلف. وفوق كل هذا، إيران سوف تخيّب ظن اليساريين العرب الذين أقسموا بأن إيران سترد رداً قاسياً. إيران لن ترد بأي عمل عسكري على الإطلاق ولن تتجاوز الحرب الكلامية. ففي يوم الخميس، وقبل العملية بليلة واحدة، علق وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر بقوله :"لقد تغيرت اللعبة. أعمال العنف التي تقوم بها الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق ستقابل بالقوة العسكرية الأمريكية". إيران تعرف جيداً معنى هذا الكلام، ولذلك ستلعق جراحها في صمت ولن تفعل شيئاً.