الأحد 5 يناير 2020 / 12:19

تصفية سليماني...إيران بين رد سريع و"صبر استراتيجي"

تحت عنوان "هل سيقود رد إيران على مقتل سليماني إلى حرب؟" كتب إيلان غولدنبيرغ، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط لدى مركز الأمن الأمريكي الجديد في موقع "فورين أفيرز"، أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، كان من أكثر الشخصيات المؤثرة والشعبية في إيران، وكان عدواً، بشكل خاص، للولايات المتحدة، وقاد حملة إيران لتسليح وتدريب ميلشيات شيعية في العراق، مسؤولة عن مقتل ما يقدر بـ 600 جندي أمريكي بين 2003 و2011.

يوحي سلوك الجمهورية الإسلامية خلال الأشهر القليلة الماضية، وطيلة تاريخها بأنها قد لا تتسرع في الانتقام

وبعد ذلك، أصبح سليماني المروج للنفوذ السياسي الإيراني في العراق، كما قاد السياسات الإيرانية لتسليح ودعم الرئيس السوري بشار الأسد عبر نقل ما يقدر بـ 50 ألف من مقاتلي ميلشيات شيعية إلى سوريا.

وكان أيضاً الرجل المكلف يتوطيد علاقة إيران مع حزب الله في لبنان، فساعد في تزويد الحزب بصواريخ لتهديد إسرائيل، وقاد استراتيجية إيران لتسليح الحوثيين في اليمن. ولكل تلك الأسباب مجتمعة، عُدَّ سليماني بطلاً في إيران. 

خطوة تصعيدية
وحسب الكاتب، اتخذت الولايات المتحدة خطوة تصعيدية كبرى باغتيالها أحد أبرز وأقوى الرجال في الشرق الأوسط.

وتقول إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن سليماني كان إرهابياً، وأن اغتياله كان عملاً دفاعياً منع هجوماً وشيكاً. وربما صحت تلك التأكيدات، لكن الولايات لم تكن لتشعر مطلقاً باضطرارها لقتل جنرال إيراني، ما لم تنتهج الإدارة سياسة متهورة منذ تسلمها السلطة.

فقد انسحب ترامب، في مايو (أيار) 2018، من الاتفاق النووي الإيراني، وتبنى "سياسة أقصى ضغط" في فرض عقوبات اقتصادية ضد إيران. والتزمت إيران، طيلة عام، بضبط النفس في محاولة لعزل الولايات المتحدة ديبلوماسياً، ولكسب تنازلات اقتصادية من أطراف أخرى في الاتفاق النووي.

ولكن أسلوب ضبط النفس لم يثمر عن فوائد مادية. وعوضاً عنه، اختارت طهران، في مايو(أيار) 2018، انتهاك الاتفاق، وتصعيد التوتر عبر المنطقة. وفي مايو(أيار) ويونيو(حزيران)، جاءت أولى الهجمات بألغام إيرانية ضد سفن شحن دولية، ثم أسقطت إيران طائرة أمريكية دون طيار.

وفي سبتمبر(أيلول)، ضربت صواريخ إيرانية منشأة بقيق للنفط في السعودية، والتي يمكن القول إنها أهم بنية تحتية للنفط في العالم، ثم بدأت ميليشيات شيعية في إطلاق صواريخ على قواعد أمريكية في العراق، ما أدى لمقتل متعاقد أمريكي. وفي نهاية المطاف، أدت ضربات أمريكية انتقامية لاغتيال سليماني.

مخاطر سوء التقدير
يقول الكاتب إن أهم سؤال يطرح حالياً، هو كيف سترد إيران؟ ويوحي سلوك طهران في الأشهر القليلة الماضية، وطيلة تاريخها بأنها قد لا تتسرع في الانتقام. وعوض ذلك، ستختار بحذر وصبر نهجاً ترى أنه فعال، ويرجح أن تتجنب حرباً شاملة مع الولايات المتحدة.

ولكن، حسب كاتب المقال، تظهر أحداث الأيام القليلة الأخيرة أن مخاطر سوء التقدير عالية بشكل لا يصدق. وبدا واضحاً أن سليماني لم يكن يعتقد أن الولايات المتحدة ستصعد بشكل كبير، وإلا اما ترك نفسه على مرمى حجر من قوات أمريكية في العراق.

كما بدا ترامب مصمماً على تجنب بداية حرب جديدة في الشرق الأوسط.

ويرى الكاتب أن على الولايات المتحدة أن تتوقع أن تجد نفسها، على الأقل، في نزاع مع ميليشيات شيعية في العراق ستستهدف قوات، وديبلوماسيين، ومدنيين أمريكيين. ومن المنطقي أن يكون العراق الذي شهدت أرضه الضربة الأمريكية، المكان الذي سترد فيه إيران فوراً.

وعلاوة على ذلك، صعدت الميليشيات بالفعل أنشطتها في الأشهر الستة الماضية. وتعتبر تلك الميليشيات من بين أكثر وكلاء إيران استجابة لمطالبها، ولا شك أن مقتل أبو مهدي المهندس، أحد أكبر قادتها، مع سليماني سيشكل حافزاً إضافياً لها للتحرك.

سؤال مفتوح
وحسب الكاتب، يبقى هناك سؤال مفتوح عن إمكانية استمرار الحضور العسكري الأمريكي في العراق. وليست المشكلة الوحيدة في الوضع الأمني، الذي ازداد بالتأكيد تعقيداً. فقد كان الاغتيال انتهاكاً شديداً للسيادة العراقية، من جانب واحد، دون موافقة الحكومة العراقية، ولذلك سيتعرض مسؤولون عراقيون لضغط سياسي كبير لطرد القوات الأمريكية.

ولا يكن عدد كبير من العراقيين حباً للولايات المتحدة، ولا لإيران، لكنهم لا يرغبون إلا في أن يكون عراقهم لهم وحدهم، ويخشون أن يصبحوا وسط مواجهة أمريكية إيرانية. وقد يتحول الوضع الحالي إلى أسوأ سيناريو للعراقيين.

ولكن انسحاباً أمريكياً فوضوياً ينطوي أيضاً على مخاطر، لأنه  لا تزال لمهمة محاربة داعش أهميتها، وإذا أجبرت الولايات المتحدة على مغادرة العراق، فقد يمثل ذلك ضربة لتلك المهمة.

ويحتفظ داعش بوجود سري، وقد يستغل فوضى انسحاب أمريكي أو صراع أمريكي إيراني، ليُحسن موقفه في العراق.