جملة من النشيد.(أرشيف)
جملة من النشيد.(أرشيف)
الأحد 12 يناير 2020 / 19:11

ضلال لغوي

يا أيها الإسلامويون الذين روجتم للبديل الإسلامي، وعددتم النشيد بديلاً إسلامياً عن الأغاني الماجنة، لقد وصلكم بلا شك نص لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عمن يلحن في اللغة

لست أكتب هذا المقال تعصبًا ضد ما يعرف بالنشيد الإسلامي، فلا مشكلة لي معه سوى أني لم أعد أعترف به. لكن أكتب دفاعًا عن اللغة العربية، وإعادة اعتبار لتاريخ العرب الأدبي، وحفاظًا على قيم الأمانة العلمية، والنقل الأمين، والذوق الجميل، والحياة المتوازنة.

كل هذه القيم والمبادئ عصف بها منشد أراد أن يختار كلمات من عيون الشعر العربي ليصنع بها مجداً. وجعل اللغة العربية والشعر العربي أهون مركوب، فأهانهما واستهان بهما. ذلك أنه اختار مجموعة من الأبيات من أربع قصائد مختلفة، ووضعها في مقطوعة واحدة وكأنها قصيدة واحدة دون تقدير للإبداع وللشعر العربي. ويبدو أن ضعف ثقافته اللغوية جعله يظن أن هذه المقطوعات الأربع من قصيدة واحدة، لا لشيء سوى أن موضوعها هو الحب.

ولم يكتف بذلك، بل إن جهله جعله ينسبها لمجنون ليلى، معتدياً على البيتين الجميلين الشهيرين لأبي تمام عن "الحبيب الأول"، وعلى أبيات ابن دريد عن شقاء المحبين. دون أن يكلف نفسه حتى عناء البحث عن الشاعر الذي سوف يؤسلم أغنيته وينشدها. فلا تقدير للشعر ولا كرامة للشاعر.

أما المصائب التي كانت تزلزل أركان اللغة فهي الأخطاء النحوية في أبيات شهيرة وكلمات لا تغيب عن صغار المتعلمين، ولا يقع فيها أصحاب السليقة اللغوية السليمة. ففي البيت الأول:  (أما واعدتني يا قلب أني*** إذا ما تبت عن ليلى تتوب). نصب هذا المنشد الفعل (تبتُ) وحقه الرفع، ناقلا المعنى من ضمير المخاطب إلى ضمير المتكلم. فصار المعنى فاسداً عقلاً وذوقاً.


وفي بيت آخر يقول: أقبل ذا الجدارِ وذا الجدارِ، وما أدرى لم قرأه بالكسر؟ هل ظن أن (ذا) قد تكون حرف جر مثلاً؟؟ ألم ترشده أذنه الموسيقية – موسيقى شرعية طبعاً – إلى أن هذا سيجعل قافية البيت مختلفة عن قرينه! البيت التالي لم يسلم من اللحن أيضاً في منطوقه المزعج لكلمة ( ولكن حبَّ) حيث نطقها خطأ.

وتبا له! ثم تباً له!! كيف أراد أن يظهر وعياً بالفعل المبني للمجهول، فبني الفعل وجد للمجهول دون داع، ورفع كلمة (حلو). ولا مبرر لأن يفعل ويقرأ البيت بخلاف مراد الشاعر في البيت المشهور (وما في الأرض أشقى من محبٍّ *** وإن وجد الهوى حلو المذاق)

أما آخر المصائب فهي في كلمة (حيث) التي نطقها مبنية على الفتح. ولم أسمع بأحد قبل ذلك فعل فعله.
فيا أيها الإسلامويون الذين روجتم للبديل الإسلامي، وعددتم النشيد بديلاً إسلامياً عن الأغاني الماجنة، لقد وصلكم بلا شك نص لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عمن يلحن في اللغة. فإن كنت تعلمون فأمسكوا بطرف لسان منشدكم هذا فقد ضل.