الخميس 23 يناير 2020 / 17:11

تقرير من واشنطن: هل تصمد حكومة حزب الله في لبنان؟

كتب الباحث البارز في معهد الشرق الأوسط، بلال صعب أنه لا يمكن لأي تحليل أن يدحض الاستنتاج القائل إن الحكومة المشكلة حديثاً في لبنان هي من صنع حزب الله. ووقال: "السؤال الوحيد العالق هو، لماذا فعل حزب الله ذلك؟".

إذاً، هل هذه "حكومة انتقالية" ، أم أن حزب الله وحلفاءه قد حسموا أمرهم وقرروا المواجهة مع واشنطن؟ وفي كلتا الحالين، هناك خاسر أكيد

وتساءل "لماذا وضع الحزب الشيعي نفسه في موقع المسؤول على الأقل تقنياً، عن الأزمة المالية التي لم يشهدها لبنان من قبل، والانقسام السياسي الذي من المحتمل أن يمزق نظام البلاد، والغضب الاجتماعي من الظروف الاقتصادية الرهيبة التي بدأت تتحول إلى عنف؟".

الإجابة واحدة في رأيه وهي أن حزب الله، مع سادته في طهران والأصدقاء الذين أعيد إحياؤهم سياسياً في دمشق، قرر مواجهة خصومه، خاصةً الولايات المتحدة، بالسيطرة الكاملة على السياسة لا في بغداد فحسب، وإنما في بيروت أيضاً.

وقد يميل المرء إلى الاعتقاد أن الأمر ربما جزء من استراتيجية إيرانية أوسع لطرد الولايات المتحدة من لبنان ،والعراق، وربما من أي مكان آخر في المنطقة. وهي على الأقل رغبة قادة طهران، الذين عبروا عنها أخيراً. لكن هل لهذا الموقف الذي يسعى للمواجهة، على الأقل في لبنان، أي فرصة حقيقية للنجاح؟

الاقتصاد المتعثر
وفي عرضه للوضع في لبنان، يلفت إلى أنه حتى التقويمات السخية للوضع الاقتصادي في لبنان تحذر من عجز البلد عن الخروج من مأزقه الاقتصادي الهائل، وخاصةً دون دفق كبير من النقد الأجنبي، الذي يقدره البعض بما يتراوح بين 5 مليارات و 20 مليار دولار، إلى مصارفه.

ولم يعد برنامج مع صندوق النقد الدولي يوفر استقراراً اقتصادياً ويضع حداً للفساد أمراً مطلوباً، وإنما أصبح ضرورة.

ومع ذلك، يستبعد الكاتب أن تحبذ أي قوة غربية، خاصةً واشنطن، مساعدة حكومة في بيروت يهيمن عليها حزب الله بالكامل.

ويقول إن الفرنسيين قد يتدخلون بدافع الحب لهذا البلد الصغير الناطق بالفرنسية أو بسبب القلق من تداعيات الفوضى الكاملة التي يمكن أن تولد أزمة لاجئين أخرى، يضيف أن هذا أمر غير محتمل، إلا إذا ارتأوا أنه يمكنهم تحمل تكاليف التمايز مع الأمريكيين في الموقف من لبنان.

وكان ديبلوماسيون أمريكيون كبار واضحين عندما قالوا إنه لن يكون هناك خطة إنقاذ للبنان في غياب إصلاحات موثوقة.

دول الخليج
وعن دول الخليج الثرية، يقول الكاتب، فهي إما غير متحمسة، أو غير معنية بدعم لبنان، ويضيف: "هذا يترك قطر التي يمكنها إنقاذ لبنان بمفردها بالنظر إلى ثروتها الهائلة. هذا، بالطبع، إذا كانت تريد ذلك. وبين الحين والآخر، تشارك الدوحة في السياسة اللبنانية إما لكسب النفوذ أو لإزعاج السعوديين أو كليهما. وقد يفعل القطريون ذلك مرة أخرى، لكن وعلى غرار الفرنسيين، قد يواجهون غضب واشنطن. كذلك، قد يساعدهم الابتعاد عن لبنان في الحفاظ على تقارب خجول مع الرياض بعد سنوات من الخلاف السياسي".

إيران
وليست المساعدة المالية الإيرانية في رأيه خياراً أيضاً. فإذا كان ثمة نجح في سياسة إدارة ترامب تجاه إيران، فهو خنق اقتصاد النظام الإيراني. وتواجه طهران صعوبة في احتواء شوارعها الغاضبة، ومعالجة مظالم شعبها الاقتصادية، وليس لديها المزيد من الأموال تدخره للبنان.

ومن هذا المنطلق، يقول صعب إنه إذا لم يعتمد اللاعب الأجنبي الرئيسي القادر على توفير شريان اقتصادي، أي واشنطن، البراغماتية، ستكون فرص نجاح هذه الحكومة اللبنانية الجديدة بعيدة.

ولكن الباحث يلفت مجدداً إلى صعوبة حصول ذلك، في ضوء حملة "الضغط الأقصى" التي تمارسها الإدارة الأمريكية على إيران.

وصرح المسؤولون الأمريكيون علناً خلال هذه الأزمة بأنهم أكثر قلقاً على أجندة إصلاح الحكومة اللبنانية المقبلة من تشكيلتها، معتبراً أن الأمر مثير للاهتمام، لأن تركيز واشنطن بشكل خاص طيلة أعوام، كان على عدد وزراء حزب الله في الحكومة.

ونسب إلى أحد الدبلوماسيين الأمريكيين الحاليين قوله على نحو لافت الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة قد تفكر في العمل مع الحكومة الجديدة إذا التزمت بإصلاح حقيقي.

ومع ذلك، حذر الكاتب منالإفراط في تفسير الأمر لأنه لا يتماشى مع رغبة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو و فريق المستشارين حول الشرق الأوسط في البيت الأبيض، وإن أضاف: "ولكن دعونا أيضاً لا نرفضه تماماً".

انتصارات فورية
إلى ذلك، رأى الكاتب أن حزب الله ربما عرف قبل توقيع اتفاق الحكومة أن الطريق سيكون صعباً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً. ولكنه ربما يبحث عن انتصارات فورية في مجال الأمن، كما يقول مدير معهد الشرق الأوسط بول سالم، فتعيين مقربين من الحزب على رأس مؤسسات أمن الدولة، باستثناء الجيش الذي لا يزال يقوده الجنرال جوزيف عون في الوقت الحالي على الأقل ، قد يوفر له رؤية أفضل للتهديدات التي تهدد مصالحه وربما تجنبه اغتيالات شبيهة بتصفية قاسم سليماني.
  
ويورد صعب رأياً أكثر تشاؤماً ولكنه محتمل، مفاده أن حزب الله رمى الفريق الجديد من الوزراء شبه المتخصصين، وإن كان بعضهم بمن فيهم وزير الخارجية اللبناني الجديد ناصيف حتي أكثر احتراماً من الآخرين، في النار لعلمه بفشلهم المسبق، الأمر الذي يمكنه من القول للمتظاهرين إن الحل التكنوقراطي الذي طالبوا به حل زائف. ورغم أن المتظاهرين لن يقتنعوا بهذه النظرية، سيحول حزب الله تسويقها في كل حال.

إعادة الحريري
الى ذلك، قال صعب إن حزب الله يدرك أيضاً أنه لا يستطيع الحكم بمفرده على المدى الطويل. وفي مرحلة ما، سيكون عليه إعادة الحريري على الأقل إلى العملية السياسية لدرء شبح  الصراع  السني الشيعي في البلاد، ومنع عودة التطرف السني.

ومع أن المتظاهرون اللبنانيين الذين يدعون إلى الإطاحة بجميع القادة الفاسدين غير مهتمين بعودة الحريري، لكن رغباتهم لن تكون أولوية في السياسة الخفية للزعماء الطائفيين، وإن يكن ذلك ليس واضحاً حالياً بعد. ولا يتمتع المتظاهرون بالأرقام ولا بالوحدة أو التنظيم أو البرنامج لفرض بديل موثوق، للنظام الطائفي الذي كان العمود الفقري للسياسة اللبنانية منذ تشكيل الجمهورية في 1943.

ويخلص الكاتب للقول "إذاً، هل هذه "حكومة انتقالية" ، أم أن حزب الله وحلفاءه حسموا أمرهم وقرروا المواجهة مع واشنطن؟ وفي الحالين، هناك خاسر أكيد، حركة الاحتجاج الشجاعة التي سئمت السياسة الفاسدة في البلاد".