الرئيس الامريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الرئيس الامريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الثلاثاء 28 يناير 2020 / 19:43

صفقة القرن... إغلاق باب التسوية وفتح بوابات الصراع

لو كانت صفقة القرن رغم كل علاتها ستفضي إلى حل جذري للقضية الفلسطينية وللصراع العربي الإسرائيلي، لما ترددت في اعلان تأييدي لها وترحيبي حتى ببنودها المجحفة.

هل بوسع أي عاقل بما في ذلك الخصوم أن يسوق صفقة بهذه المواصفات على انها مشروع حل يمكن أن يعيش؟

لذا اعتبر اعتراضي عليها موضوعياً اكثر منه مبدئياً، فمن خلال ما سبق من إجراءات أمريكية وإسرائيلية تحت عنوان التمهيد لها، فإن كل هذه الإجراءات لم تشر إلى تسوية بل اتخذت شكل ومضمون تثبيت الأمر الواقع الإسرائيلي المفروض على الفلسطينيين بقوة الاحتلال والطلب من الفلسطينيين أن يقبلوا ذلك بلا نقاش.

لقد جنحت صفقة القرن إلى اتجاه غير منطقي في التعامل مع القضايا السياسية، وهو اتجاه يستبدل الحقوق الأساسية لشعب بتعويضات مالية، ذلك كان يمكن أن يكون واقعياً لو أننا حيال مجموعة بشرية تعد بالعشرات أو المئات وتعيش في ثنايا قوة بشرية تعد بعشرات الملايين، أما وأننا حيال شعب يفوق عدداً وحتى انتشاراً عدد خصومه ومحتليه، فإن لعبة استبدال الأماني الوطنية، بأرقام حسابات بالبنوك، يبدو وبكل المقاييس مجرد عبث ووهم، فالفلسطينيون لا يعانون مجاعةً تفرض عليهم مقايضة أغلى ما يملكون، ويعتنقون بلقمة عيش.

حين يكون الأمر كذلك فهل بوسع أي عاقل بما في ذلك الخصوم، أن يُسوق صفقة بهذه المواصفات على أنها مشروع حل يمكن أن يعيش؟.

إن ديمومة أي صيغة سياسية تقترح لإنهاء صراع مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تتحدد على أساس حتمية اقتناع الطرف المغلوب على أمره، بأن ما يطرح عليه أو ما يرتب له، هو أفضل ولو قليلاً مما هو فيه.

إن هنالك فرية لا تنطوي إلا على السذج وهي التقسيمات الجديدة التي يقوم بها الإسرائيليون وستتولى صفقة القرن تهيئة المناخ لفرضها، ولن تترك للفلسطينيين سوى واقع أفصح عنه السفير الأمريكي في إسرائيل السيد فريدمان بأن الملايين الفلسطينيين ليسوا أكثر من سكان أمر واقع داخل القوالب الإسرائيلية الأزلية.

اكثر المرنين مرونةً وأكثر المعتدلين اعتدالاً، وأنا واحد منهم، لا يعترضون على صفقة القرن من حيث المنشأ، والأطراف الذين أتوا بها، وإنما من حيث أنها أغلقت الباب الموارب نحو التسوية، وفتحت بوابات واسعة لصراع لا يعرف أحد مداه.

السؤال الصعب بعد كل ما تقدم، هو ما هي الخيارات التي يتعين على الفلسطينيين الذهاب إليها غير خيار رفع الراية البيضاء الذي تقترحه الصفقة؟

هنالك بديهية منطقية تقول، لن تكون صفقة القرن نهاية الكون لا للفلسطينيين ولا حتى الإسرائيليين، ولا لدول وشعوب الإقليم الغامض المسمى بالشرق الأوسط، فهي بالتحليل الموضوعي مجرد محاولة أمريكية إسرائيلية مشتركة لتحقيق أغراض آنية تخدم الثنائي المضطر نتنياهو وترامب، اذاً هي أي شيء إلا أن تكون مضمونة التنفيذ.

الفلسطينيون يملكون ورقة لا قدرة لأمريكا وإسرائيل على مصادرتها وإنهاء تأثيرها، وهي تعدادهم الذي بلغ الملايين على أرضهم، والملايين الأكثر في جميع أنحاء العالم، فماذا ستفعل صفقة القرن الشديدة التبسيط حد السذاجة بهؤلاء؟ فكل واحد من هذه الملايين يملأه شعور بالغبن، والافتقار الى أبسط ما يملك غيره من حقوق سياسية، وهوية وطنية.

هل ستتولى وزارة الخزانة الأمريكية شراء ضمائر هؤلاء الناس؟ أو تتولى وزارة المالية الإسرائيلية وضع جدول لتعويضهم؟ هذا السؤال الذي يبدو بسيطاً هو كلمة السر في أن صفقة القرن مرشحة لإنهاء فرص الحلول لمصلحة مضاعفة فرص الصراع.