الأربعاء 29 يناير 2020 / 15:11

أردوغان يعاني رهاب الحقيقة

علّق الصحافي التركي البارز بوراك بكديل على مجموعة من الانتهاكات التي تتعرض لها الحريات الإعلامية في تركيا والتي تظهر المدى الذي وصل إليه الرهاب من الحقيقة وفقاً لتعبيره.

منعت الحكومة التركية ويكيبيديا. تم رفع الحظر بعد سنتين ونصف. لا يتعلق الأمر بكون موقع ويكيبيديا مصدراً موثوقاً للمعلومات. لكن الحظر هو تصرف دولة مارقة

ففي سنة 2014، منعت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موقعي يوتيوب وتويتر خوفاً من أن يقرأ ملايين الأتراك الشباب "محتويات خطيرة" على وسائل التواصل الاجتماعي. أعلنت المحكمة الدستوية الحظر غير شرعي.

وفي سنة 2017، تابع بكديل في "معهد غيتستون"، منعت الحكومة التركية ويكيبيديا. تم رفع الحظر بعد سنتين ونصف. لا يتعلق الأمر بكون موقع ويكيبيديا مصدراً موثوقاً للمعلومات. لكن الحظر هو تصرف دولة مارقة. لا ينحصر الموضوع بويكيبيديا: في تركيا، هنالك غالباً خوف ومنع للحقيقة بغض النظر عن مصدرها.

صورة قاتمة

أصدرت هيومن رايتس ووتش تقرير العالم 2020 وقد رسم صورة واقعية لكن قاتمة عن الحريات المدنية في تركيا: "أدى سيطرة (السلطة) التنفيذية والتأثير السياسي على القضاء في تركيا إلى قبول المحاكم بشكل منهجي لوائح اتهام باطلة، احتجاز وإدانة من دون دليل دامغ على نشاط جرمي لأفراد ومجموعات تنظر إليهم حكومة أردوغان على أنهم خصوم سياسيون. من بين هؤلاء صحافيون، سياسيون معارضون، ناشطون ومدافعون عن حقوق الإنسان...".

وأضاف التقرير: "تواصل السلطات حظر المواقع الإلكتورنية وإصدار أوامر لإلغاء محتويات على الإنترنت، فيما يواجه آلاف الأشخاص في تركيا تحقيقات جنائية وملاحقات قضائية وإدانات بسبب منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. كان هنالك ارتفاع درامي في عدد الملاحقات القضائية والاتهامات بناء على تهم ‘إهانة الرئيس‘ منذ الانتخاب الأول لأردوغان كرئيس سنة 2014...".

وورد في التقرير أيضاً: "هنالك ما يقدّر ب 119 صحافياً وعاملاً في المجال الإعلامي لحظة كتابة التقرير وهم رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة أو يقضون عقوبات بسبب جرائم مثل ‘نشر بروباغندا إرهابية‘ و ‘عضوية في منظمة إرهابية.‘ هنالك مئات آخرون قيد المحاكمة على الرغم من أنهم ليسوا في السجن. معظم الإعلام، بما فيه التلفزيون، ممتثل للخط السياسي لرئاسة أردوغان".

اعتراف ناقص
يرى بكديل أنه لهذه الأسباب، ثمة نقص وطني على مستوى الثقة بالقضاء التركي كمؤسسة دستورية، وهو واقع محزن لدرجة أن حكومة أردوغان اضطرت للاعتراف به. قال نائب الرئيس فؤاد أوقطاي إنّ 38% من الأتراك وثقوا بالقضاء. لكن من المرجح أن مشكلة الثقة أكبر مما وصفها أوقطاي. كشف استطلاع رأي لشركة أو آر سي التركية أن 11.7% من الأتراك وثقوا بالقضاء بشكل كامل.

ثلاثة أساليب قمعية
طريقة إسكات تركيا للمعارضين متناسبة مع تلك المستخدمة في عالم غير حر. وفقاً لمشروع المراقبة والدفاع عن حرية الإعلام، لجأت حكومة أردوغان إلى ثلاثة أساليب لاستهداف الصحافيين سنة 2019.

"تهم كيدية: اتُهم الصحافيون تكراراً ب ‘إهانة مسؤول رسمي‘ أو ‘إهانة الرئيس وفقاً للمادتين 125 و 299 على التوالي من قانون العقوبات التركي."
"الاعتداءات البدنية: وقعت الاعتداءات البدنية على الصحافيين طوال 2019... عُزي العنف بشكل كبير إلى الانقسامات السياسية، خصوصاً بين القوميين والمحافظين...".

"قيود على الإنترنت: واصلت الحكومة عرقلة حرية التعبير على الإنترنت... في 1 أغسطس (آب) تم نشر لائحة إلزامية لموفري المحتوى عبر الإنترنت، بما فيها جميع المنصات الإخبارية الإلكترونية، للحصول على ترخيص بث من هيئة آر تي يو كاي للرقابة على الراديو والتلفزيون...".

الغالبية الساحقة مدركة للانتهاكات
وفقاً لصحيفة بيرغون اليسارية، تمت محاكمة 5223 شخصاً بمن فيهم 128 قاصراً بتهمة "إهانة الرئيس" سنة 2018. وتكون التهمة على الصحافيين غالباً مؤذية على وجه التحديد. يكمن جزء من المشكلة في عدم اهتمام ملحوظ لدى الأتراك بالممارسات غير الديموقراطية، وليس لأنهم غير مدركين للانتهاكات الحقوقية، بل لأن أردوغان يسيطر على معظم الإعلام.

وأجرت منظمة العفو بفرعها التركي وشركة متروبول للإحصاءات استطلاع رأي حديثاً كشف واقعاً مؤلماً. يعتقد 82.3% من الأتراك أن الحقوق والحريات الأساسية منتهكة في تركيا. ويعتقد ثلثهم فقط أن فرداً تحتجزه السلطة هو مجرم على الأرجح. ويعتقد فقط 37.7% من الأتراك أن الجميع متساوون أمام الدولة.

سنة سيئة... وأخرى أسوأ ربما

شرح بكديل الأرقام بأن غالبية واضحة من الأتراك ترى أن حقوقها منتهكة بشكل منهجي وأنها غير متساوية أمام القانون، لكن نصف هذه الغالبية تواصل التصويت لأردوغان أي الزعيم المسؤول عن التقلص الكبير في الديموقراطية التركية طوال السنوات الثماني عشرة الماضية. يرى بكديل أن هذه رسالة سيئة لأردوغان. وختم: لقد كانت سنة سيئة أخرى للديموقراطية التركية وقد تلوح سنة أسوأ في الأفق.