الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.(أرشيف)
الأربعاء 5 فبراير 2020 / 20:19

اقتصاد سياسي أخلاقي

نجاح دونالد ترامب في مفاوضاته التجارية مع الصين، وكندا، والمكسيك، تقول بأنه سينجح أيضاً مع أوروبا، فهي مفاوضات تدعمها القوة الخشنة، أكثر من القوة الدبلوماسية

في منتدى دافوس، الشهر الماضي، وبعد انتهاء دونالد ترامب من معاركه التجارية مع الصين، وكندا، والمكسيك، وكلها معارك تعريفات جمركية، تفرّغ للاتحاد الأوروبي، المطعون حديثاً، طعنة نجلاء، بخروج المملكة المتحدة رسمياً من عضوية الاتحاد الأوروبي.

قال دونالد ترامب بتهكمه المباشر، عن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أثناء التحضير لمفاوضات حول اتفاق تجاري، ثنائي بين أمريكا والاتحاد الأوروبي: سمعتُ أنها مفاوضة صعبة للغاية. السيدة الرقيقة أورسولا فون دير لاين، حديثة العهد في رئاسة المفوضية الأوروبية، تريد تهدئة غضب ترامب بأقل خسائر ممكنة.

تريد أورسولا اتفاقاً تجارياً محدوداً، وسريعاً مع أمريكا، في الأسابيع القليلة المقبلة، يشمل التجارة، والتكنولوجيا، والطاقة. أكدّت أورسولا على سرعة، ومحدودية الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة الأمريكية، ربما لتأمين هدنة في الحرب التجارية التي يشنها دونالد ترامب.

يبدو أن كلمات دونالد ترامب أثناء حربه التجارية مع الصين: حرب التعريفات الجمركية جيدة، ومن السهل علينا الفوز بها. هذه الكلمات لا تزال عالقة في آذان قادة الاتحاد الأوروبي. من جانب آخر، دلالة التصريح بسرعة الاتفاق التجاري، ومحدوديته، تشير إلى الضربة التي تلقتها العولمة، بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكأنّ وداع الاتفاقيات التجارية الكبيرة، فُرض بقوة الواقع، على الاقتصاد العالمي.

تضررت منتجات الاتحاد الأوروبي الرئيسية مثل الطائرات، والسيارات، والنبيذ، والحديد الصلب، وهي منتجات شديدة الأهمية لألمانيا، وكأنّ السيدة الألمانية الرقيقة أورسولا فون دير لاين، تُنجز اتفاقاً تجارياً صغيراً، على حدة، لصالح ألمانيا، بعيداً عن باقي دول الاتحاد.

هدنة الحرب التجارية مع أمريكا، ستسمح لقطاع السيارات الألماني، فولكس واغن، BMW، مرسيدس، بالتقاط أنفاسه، لكن الاتفاق التجاري السريع، محفوف بمخاطر فشل أورسولا فون دير لاين في منصبها الجديد. فرنسا على سبيل المثال، لا تريد حشر منتجات زراعية أمريكية، مُعدّلة وراثياً، في الاتفاق التجاري، ودونالد ترامب مصمم على دخول المنتجات الزراعية الأمريكية، المُعدّلة وراثياً، في صلب الاتفاق التجاري.

عدوى الاختلاف جرّت هولندا، والنمسا، اللتين أعلنتا أن المنتجات الزراعية الأمريكية، المُعدّلة وراثياً، لن تدخل بلديهما. ومع ذلك صرّحت أورسولا فون دير لاين بأنها تأمل أن يتم الاتفاق التجاري السريع، والمحدود، في ظرف أسابيع قليلة، وكأنها تتجاهل اعتراضات فرنسا، والنمسا، وهولندا.

تصريحات المفاوضين الصغار تحت أورسولا فون دير لاين، وتحت دونالد ترامب، تعتمد اللف والدوران، وكلمات المناورة، لإتمام الاتفاق، مثل نتمنى نجاح الاتفاق التجاري عبر خط النهاية، أو عند خط النهاية، بينما تبدو كلمات دونالد ترامب أكثر قوةً وحسماً: لا اتفاق دون منتجات زراعية. في حين تبدو السيدة أورسولا فون دير لاين شديدة الضعف.

وزير الزراعة الأمريكي سوني بيردو قال للصحفيين: لن نصل للاتحاد الأوروبي مع التفاح والكمثرى فقط، يجب الموافقة على المزيد من المنتجات الزراعية المُعدّلة وراثياً، ولن يتطلب هذا تغييراً كبيراً في قوانين الاتحاد الأوروبي، حيث أن الاتحاد الأوروبي نفسه لديه بالفعل إجراءات داخلية، وهي شهادات للمنتجات الزراعية المُعدّلة وراثياً، والصالحة للاستهلاك في أوروبا.

تتحفظ المفوضية الأوروبية أمام الموافقة على المزيد من المنتجات الزراعية الأمريكية، المُعدّلة وراثياً، ليس خوفاً على الصحة الجسمانية للأوروبيين، بل خوفاً من منافسة الأرز والقمح الأمريكي، للأرز والقمح الأوروبي. وفي تعجُّل المفوضية الأوروبية للنجاح الاقتصادي، تسقط أخلاقياً في نظر مواطنيها، فالأمر لا يتعلق برفض مبدأ التعديل الوراثي للمنتجات الزراعية، بقدر ما يتعلق في المنافسة المحمومة في مجال التعديل الوراثي للمنتجات الزراعية.

أعلنتْ فرنسا، وهولندا، والنمسا، لحفظ ماء الوجه، وكورقة مساومة في الاتفاق التجاري السريع مع الولايات المتحدة الأمريكية، القلق من ردة فعل الرأي العام عند مواطنيها، فالاتفاق التجاري على المنتجات الزراعية الأمريكية المُعدّلة وراثياً، يعني أن معايير أوروبا في سلامة الغذاء، انخفضتْ، لتهدئة دونالد ترامب.

حذّرت باريس بشكل منفرد، لتذكير ألمانيا، بأن الأخيرة ليستْ وحدها التي تتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية، بأنها تلعب بالنار من خلال السماح للولايات المتحدة الأمريكية، بوضع المنتجات الزراعية المُعدّلة وراثياً على طاولة المفاوضات.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن منذ فترة، أثناء احتدام مظاهرات السترات الصفراء، أنه سيطالب عملاقة وسائل الاتصال الأمريكية، مثل فيس بوك، وتويتر، بضرائب رقمية، فهدد دونالد ترامب في الحال صناعة النبيذ الفرنسية، بتعريفات جمركية كبيرة.

يُقال في وسائل الإعلام الفرنسي، إن الضريبة الرقمية على عملاقة وسائل الاتصال الأمريكية، دخلتْ حيز التنفيذ، ويُقال أيضاً إن إيمانويل ماكرون أرجأ تنفيذ الضريبة الرقمية، وإدارة ترامب أعلنتْ عن خطط لفرض تعريفة جمركية تصل إلى 100% على الواردات الفرنسية، الجبن، والنبيذ، وأحمر الشفاه. الأرجح أن إيمانويل ماكرون لم ينفذ بعد، الضريبة الرقمية على وسائل الاتصال الأمريكية.

جدد دونالد ترامب تهديده: إذا لم نصل مع الأوروبيين إلى اتفاق تجاري، سنفرض على سياراتهم 25% ضريبة. الكلام هنا موجّه إلى ألمانيا، أغنى دول الاتحاد الأوروبي، التي يعرف ترامب أنها لا تتحمل ركود السيارات في بلدها. نجاح دونالد ترامب في مفاوضاته التجارية مع الصين، وكندا، والمكسيك، تقول بأنه سينجح أيضاً مع أوروبا، فهي مفاوضات تدعمها القوة الخشنة، أكثر من القوة الدبلوماسية.