صورة مركبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصورة لخريطة فلسطين التي غرد بها على تويتر.(أرشيف)
صورة مركبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصورة لخريطة فلسطين التي غرد بها على تويتر.(أرشيف)
الإثنين 10 فبراير 2020 / 18:54

صفقة القرن وقضية العرب الأولى

صفقة القرن كما يطرحها ترامب، تضعنا اليوم في مواجهة تاريخنا الحديث الذي بدأ تقريباً، مع الاستقلالات، ووُسِم بحدث رئيسي، كان صداه، هو نفسه، في كافة البلدان، وهو سقوط فلسطين

لم يكن مفاجئاً أن ترفض الدول العربية كافة صفقة القرن كما فصّلها الرئيس الأمريكي، لكن الردود العربية، على تفاوتها، لم تكن مدوّية. يمكننا القول إنها خافتة ومتأنية لدرجة يصحّ معها أن نتكلم عن صمت عربي. بالطبع جاءت صفقة القرن في وضع عربي غير قادر على أن يتصدّى لها. الأقطار العربية جميعها، تقريباً، في حومة الحرب الأهلية، سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان في دوامة انقسام أهلي دامٍ، لا يترك مجالاً لغير الاستغراق في المشكلات الميدانية، القطرية في الأساس. يمكن القول إن البعد القومي يكاد أن يغيب ويُفسح لبعد قطري يتأكد البلدان والدول، لكن الانقسام الأهلي ليس ابن يومه ولا ابن البارحة. إنه يكمل مساراً متأرثاً منذ استقلال هذه الدول، وانقساماً عضوياً في تكوينها وبنياتها، وإذا كان تدرّج في الظهور وخرج ببطء الى العلن فإن ذلك جزءٌ من تطوّرها، "أي الدول" ومرحلة من مراحل نموّها، أياً كانت وجهة هذا النمو.

صفقة القرن كما يطرحها ترامب، تضعنا اليوم في مواجهة تاريخنا الحديث الذي بدأ تقريباً، مع الاستقلالات، ووُسِم بحدث رئيسي، كان صداه، هو نفسه، في كافة البلدان، وهو سقوط فلسطين. هذا الحدث جمع العرب على صعيد بدا، في تلك اللحظة، واحداً. لقد باتت فلسطين هي القضية ولم تكن، فحسب قضية العرب الأولى، بل صارت، لزمن طويل، علة السياسات وما وراءها ووجهتها واستشرافها. تلخص هذا في تسمية واحدة هي "القضية". لم يكن أمام العرب، ولعقود تكاد تشمل ثلاثة أرباع القرن، سوى القضية الفلسطينية، التي تحولت إلى محرك لمختلف الظروف ومختلف الأوقات وإلى أفق وهدف أساس للجميع.

لا بد أن قضية فلسطين كانت وراء الانقلابات العسكرية، التي شملت، وبصورة خاصة دول محيطها بدءاً من مصر مروراً بسوريا والأردن، الذي خابت محاولاته الانقلابية فالعراق، وامتداداً الى بقية الأقطار العربية. كانت الانقلابات العسكرية تعني بالدرجة الأولى بناء جيوش حديثة، بل وتعني أيضاً بناء مجتمعات حربية، مجتمعات أقرب الى ثكنات تسودها من الداخل، نظم عسكرية لا تتعب كثيراً لتصبح بوليسية. لم تكن الديمقراطية بذلك هدفاً فالمجتمع، في هذه الرؤية، كان جيشاً او شيئاً من الجيش، يتحرك كجيش ويخضع لقواعد وتقاليد عسكرية، تتعامل معه كفصيل وكتيبة بأوامر الفصيل وانتظامه.

كان على هذه المجتمعات ــ جيوش أن تستعد للحرب وتبقى في انتظارها، لكن الحرب سقطت عليها 1967 وكانت الفضيحة، فالمجتمعات المعسكرة لم تستطع بجيوشها أن تواجه. لقد بدا أن عسكرتها لم تنجح حتى في إنشاء جيوش قادرة. بل بدا أن هذه الجيوش، التي تاهت في الصحراء، ليست حديثة بما يكفي. بل إن الحكومات نفسها لا تزال تحت عبء الإرث الإقطاعي والقبلي، وليس أمامها إلا أن تتفكك وتقع.

منذ ذلك الحين والأقطار تتخبط وتتراجع الى أصولها ومكوناتها وانقساماتها الخاصة. لقد وقعت في مشكلاتها وظروفها، من هنا أطل الشقاق الأهلي، ولكن أيضاً أطل، من ناحية أخرى نوع من الوعي القطري، وفي كلا الحالين لم يعد المجتمع ــ الجيش قائماً وتأتي صفقة القرن فلا يواجهها إلا رفض صوري يشبه الصمت.