تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الثلاثاء 11 فبراير 2020 / 17:54

فيروس كورونا كسلاح بيولوجي

كيف تطور الصين سلاحاً بيولوجياً في مختبر سري لهدف محدد، بينما هو وباء لم يتضرر منه سوى الشعب والاقتصاد الصيني

لم يدخر الإنسان جهداً لاستخدام كافة الأسلحة المُتاحة للفتك بأعدائه، حتى لو كانت تلك الأسلحة شاملة ومتعدية تقتل كل ما حول الهدف من أفراد لا علاقة لهم بذلك العدو. قديماً، عمد الآشوريون إلى تسميم مصادر مياه أعدائهم في إحدى حروبهم في القرن السادس قبل الميلاد، وقذف التتار الجثث المُصابة بالطاعون على أسوار المدن المحاصرة في القرن الرابع عشر، وحاول الإنجليز نشر مرض الجدري Smallpox في المناطق الموالية لفرنسا في أمريكا باستخدام البطانيات في القرن الثامن عشر، واستخدم تنظيم القاعدة رسائل الجمرة الخبيثة Anthrax في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. ومن الأسلحة المحتملة الأخرى سلاح التلريات Tularemia الذي يسبب التهابات الحنجرة والرئة، وسلاح بوتولين Botulism الذي يسبب شللاً في العضلات وفشلاً في جهاز التنفس، وسلاح إيبولا Ebola الذي قد يسبب طفحاً في الجلد ونزيفاً في اللثة والجسم حتى أصبح مادة دسمة لأفلام وألعاب الإثارة والرعب.

سمح العلم الحديث باكتشاف طُرق حديثة لتطوير واستخدام أسلحة لم تكن معروفة لأسلافنا. صحيح أن الأسلحة البيولوجية لها القدرة على قتل آلاف الناس؛ إلا أن مكمن قوتها الحقيقي يكمن في الرعب الذي قد تثيره في المجتمع. فأهم ما يميز الأسلحة البيولوجية هو قدرتها على الإيذاء والانتقال من شخص لآخر، مع عدم وجود فحص سريع يُشخصها مباشرة.

مع ظهور سلالة جديدة من فيروسات كورونا في الصين، ترددت موجات صوتية معروفة من أنصار حزب المؤامرة في مواقع التواصل الاجتماعي، والذين اعتادوا استخدام نفس الأسلوب الدعائي في كل معاركهم وادعاءاتهم، فأهم ما يعتمدون عليه هو نقل معلومات مضخمة، أو نقل معلومات لا وجود لها في أرض الواقع لكن لا يمكن تكذيبها بسرعة، ومهما قيل لدحض كلامهم لن يصل الرد إلى الناس لأن آذانهم تشبعت بالخبر الأول. عندما تقول بوجود مصنع أسلحة بيولوجية في قبو في قرية نائية في الصين تمكن من محو البشر في مدن كاملة هناك، فإن القارئ -الذي تميل أذنه إلى استحسان القصص الخيالية والدرامية- لا يستطيع التواصل مع أهل تلك القرية للتأكد من هذا الخبر، بل قد لا يستطيع التأكد من وجود قرية بهذا الاسم في دولة تحتوي أكثر من 600 مدينة كبرى وآلاف من القرى ومليار من البشر.

نقل موقع فورين بوليسي في فبراير (شباط) أن تويتر حظر المواقع المروجة للمؤامرة، وحرص على إرشاد الناس إلى أخذ المعلومة من المنظمات الصحية المعروفة، وذلك بعدما صار تويتر منصة خصبة لنشر كل ما من شأنه إذاعة الذعر والهلع بدون وجه حق، لاسيما وأن علماء الكيمياء الحيوية قد أعلنوا أن جينوم فيروس الكورونا الصيني وخصائصه لا يدل أبداً أنه قد تمت هندسته جينياً لتحويله إلى سلاح بيولوجي، فإلى الآن لم نجد دليلاً مقنعاً على وجود مختبر يطور أسلحة بيولوجية في مدينة "ووهان" الصينية، فكيف تطور الصين سلاحاً بيولوجياً في مختبر سري لهدف محدد، بينما هو وباء لم يتضرر منه سوى الشعب والاقتصاد الصيني، فالباحثون يعتبرون السلاح البيولوجي المثالي هو السلاح الذي يفتك بفاعلية كبرى مع كونه أقل قابلية للسريان والتفشي حتى يحقق هدفه بدقة بدون إصابات جانبية، إلا إذا كان العاملون في هذا المعمل قد ارتكبوا خطأ فادحاً أدى إلى قتل شعبهم بالفيروس، وقد أنكرت الصين وجود مختبرات سرية أو وجود برنامج لإنتاج أسلحة بيولوجية.

عند تتبع مصادر أخبارية أخرى، وجدت أن أحد حاملي راية الإشاعات هي مواقع الأخبار الروسية كما نقل موقع بي بي سي، والتي تتهم الولايات المتحدة بخلق هذا الفيروس الصيني من أجل ضرب الاقتصاد في الصين ومن أجل أن تحقق شركات صناعة الأدوية مكاسب مادية من وراء صناعة المضادات والتطعيمات، هذه الاتهامات هي دعاوى مكررة لم نجد عليها بعد دليلاً مقنعاً، ففي 2013 اتهم الصينيون الولايات المتحدة بتصدير إنفلونزا الطيور إلى الصين كسلاح بيولوجي، وفي 2014، تفشى وباء إبولا Ebola، وتم أيضاً اتهام وزارة الدفاع الأمريكية بصناعة الفيروس، وقبلها بعقود تم اتهام المختبرات العسكرية في الاتحاد السوفييتي بإنتاج أسلحة بيولوجية.

الحقيقة أحياناً بسيطة ولا تتآمر على نفسها، ففي النهاية قد نجد أن مصدر الفيروس ليس سوى سوق الأسماك في مدينة ووهان، وليس أي شيء آخر، الزمن وحده كفيل بكشف الحقيقة كاملة.