الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرفع خريطة فلسطين حسب"صفقة القرن" في مجلس الأمن (أف ب)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرفع خريطة فلسطين حسب"صفقة القرن" في مجلس الأمن (أف ب)
الأربعاء 12 فبراير 2020 / 19:58

صفقة القرن والثغرات الفلسطينية

رفض الفلسطينيون رسمياً وشعبياً صفقة القرن، وكان الرفض مبرراً بأسباب عديدة يمكن اختصارها بجملة واحدة... لا يوجد فيها ما يدعو لقبولها، ولا حتى للتفاوض عليها.

التظاهرات الضخمة التي شهدها العالم في فلسطين كلها وفي المنافي، وحالة التضامن القوية مع الفلسطينيين شعبياً ورسمياً، ستتبخر في الهواء أو سيأكلها الزمن كما أكل غيرها، إن لم يغلق الفلسطينيون الثغرة القاتلة

أما في المقلب الإسرائيلي، فقد رحب بها المتطلعون للفوز في الانتخابات، وتخوف منها المسؤولون عن الأمن، ولم يخفوا تخوفهم بل وقلقهم من المضاعفات التي ستنتج عنها، فقد ابتعدت كثيراً فرص التسوية التفاوضية بين الطرفين، ووصلت حد الاستحالة، وهذا في حد ذاته يفتح الباب واسعاً أمام استمرار الصراع بكل أشكاله، بما في ذلك العنف.

صحيح أن الرئيس محمود عباس ألزم نفسه بمقاومة العنف، ورفض أن يكون وسيلة لمواجهة صفقة القرن، إلا أن السيطرة الكاملة على الملايين الفلسطينية التي تكتظ بالأجندات، والاجتهادات، والتطلعات، لن يكون ممكناً إذا استمر إغلاق الآفاق نحو المستقبل، وضُغط الشعب الفلسطيني في صندوق ضيق تملك مفاتيحه إسرائيل، وتحديداً الذين لا يحبون فيها، رؤية الفلسطينيين على الخريطة.

الرفض الفلسطيني لصفقة القرن لا تكفيه كلمة لا، ولا يؤثر فيه إيجاباً انسجام البيان بين الضفة وغزة في هذا الشأن، ولا يكفيه حتى الموقف الدولي القريب من الإجماع على أن الصفقة الأمريكية الإسرائيلية لا تقدم حلاً، فما دامت الساحة الفلسطينية على حالها، والانقسام أبرز سلبياتها، فإن صفقة القرن ستجد مرتعاً خصباً لتُطبق من طرف واحد ومرة أخرى أقول، ليست تسوية وإنما إعادةً لتنظيم الاحتلال والسيطرة.

التظاهرات الضخمة التي شهدها العالم في فلسطين كلها وفي المنافي، وحالة التضامن القوية مع الفلسطينيين شعبياً ورسمياً، ستتبخر في الهواء أو سيأكلها الزمن كما أكل غيرها، إذا لم يغلق الفلسطينيون الثغرة القاتلة في موقفهم، وليس الانقسام المروع وحده ما يشكل الثغرة، بل غياب المؤسسات سواءً في منظمة التحرير أو السلطة، ذلك أن الصراع الذي فرض علينا ودخلت عليه الإدارة الأمريكية بكل ثقلها مندمجة مع اليمين الإسرائيلي، يحتم علينا كفلسطينيين وبعد أن عاد المتظاهرون إلى بيوتهم، أن نقنع العدو قبل الصديق بقوة موقفنا، وجدوى رفضنا واستحالة فرض الصفقة علينا برضانا، وهذا لا يكون إلا إذا أدخل الشعب الفلسطيني كله في معركة الصمود الوطني، وهو الذي لا نزال بكل أسف، بعيدين عنه، لقد أعطانا العالم كل ما طلبنا من دعم سياسي ومعنوي، وبقي أن نعطي لشعبنا وللعالم جبهةً داخليةً فلسطينيةً صلبةً ومتحدةً، وأن نعود من جديد إلى ديموقراطيتنا العريقة وإلى صندوق الاقتراع، فإذا رفض الإسرائيليون أن يسمحوا بإجراء الانتخابات في القدس، فليكن الرفض الإسرائيلي أرضاً للتحدي، وليس باباً قسرياً للدخول، أو الخروج.

ترتيب بيتنا هو الأولوية القصوى، ودون ذلك سيكون القادم أصعب.