تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الأحد 16 فبراير 2020 / 20:12

المبدعون والسياسة

أهل الإبداع في الفن والرياضة والثقافة رموز. حتى وإن كان أحدنا لا يهتم بالفن أو لا تستهويه الرياضة أو لا يستسيغ الثقافة، فإنه لا يمكن له أن ينكر أنهم مؤثرون جداً، وحاضرون دائماً، ربما يصنعهم الإعلام، لكنهم مادته التي بدونها يكون باهتاً.

قد يضل الإعلام أو يضلل، وقد تحابي الجوائز أو تجامل، وقد تقدِّر الأمم المتحدة ويخونها التقدير، لكن الجماهير لا تسلم زمامها لأحد

الجماهير تتقبلهم بإعجاب يصل إلى الجنون، وعشق يصل إلى الهوس. تهتف بأسمائهم وترفع صورهم، وتتابع حساباتهم، وتعطي قيمة وتقديراً لإبداعهم، وهم يسعون للحفاظ على هذه العلاقة، ففيها إرضاء للأنا وتحقيق للمكسب المادي، ولذا فإن من يقول منهم "إن جمهوري هو رأس مالي" إنما يعني الأمر حقاً لا مجازاً.

الأمم المتحدة تقدر لهم مكانتهم ولذا ابتدعت ما يسمى بسفير الأمم المتحدة للنوايا الحسنة وفيه تلجأ إلى التعاون مع شخصيات عامة لها مكانة في منطقتها للقيام ببعض الأعمال الإنسانية، وهو تكليف تشريفي لمشاهير العالم من قبل المنظمات المختلفة للأمم المتحدة، وأهداف هذا التكليف هو المساعدة في دعم مختلف القضايا التي تعالجها الأمم المتحدة واستخدام حضور المشاهير في نشر الوعي والدعم تجاه هذه القضايا.

الجوائز العربية تسعى – أحياناً- إلى أن تصنع لنفسها شهرة على حساب الفنان أو الرياضي أو المثقف، ولذا فإنها تفضل أن تمنحه الجائزة وتوثق ذلك بالصور التي تصبح مصدر ترويج للجائزة فيما بعد. ومن العجيب أن تنعكس الآية في فلسفة الجوائز وأهدافها، فلم يعد المبدعون يبحثون عنها لتكون مصدر تقدير وسبيل عون لهم في تحقيق رسالتهم ومواصلة إبداعهم، بل أصبحت الجوائز هي من تسعى لتحقيق الشهرة والانتشار. والمسألة فيها خلاف بين من يرى أن هذا هو الوجه الصحيح لعلاقة المثقف بالجائزة.

هذه علاقة المبدع بالإعلام، والجمهور، والمؤسسات، والجوائز. فأين تكمن المشكلة؟ إنها تظهر حين يخذل الفنان والمبدع جمهوره، ويخون الأوسمة التي حملها على صدره، ويتنكر للمؤسسات التي أعطتها سفارتها، ويذم اليد التي استلم منها الجائزة، وذلك باتخاذ موقف سياسي غبي، أو الدخول في الخلافات المذهبية والطائفية والسياسية بالانتصار لطرف دون طرف.

قد يضل الإعلام أو يضلل، وقد تحابي الجوائز أو تجامل، وقد تقدِّر الأمم المتحدة ويخونها التقدير، لكن الجماهير لا تسلم زمامها لأحد. تعرف الفنان وتحبه ولكنها لا تقبل منه إلا فنه. فالعقل الجمعي يبقى أوعى.

هذه دعوة للمثقفين أن يكونوا على قدر المسؤولية، وهي دعوة للمؤسسات والجوائز أن تحسن اختيار ضيوفها وسفرائها ومكرميها. فإذا كان القول المشهور في وسائل التواصل الاجتماعي (لا تجعلوا من السفهاء مشاهير) لم يؤت ثماره المرجوة بسبب غوغائية وسائل التواصل الاجتماعي وعدم القدرة على ضبطها، فإن المعول على المؤسسات الرصينة ألا تعطي لأصحاب الأجندات المشبوهة فرصة التسلق والظهور.