الثلاثاء 18 فبراير 2020 / 17:38

637 شاعراً اكتشفتهم أبوظبي خلال 15 عاماً وصنعت منهم نجوماً

24- باريس - عبدالناصر نهار

يُسهم الشعر كتراث ثقافي وفخر للأفراد والمجتمعات، في خلق لغة الاحترام المتبادل بين الشعوب، وفي نقل القيم الإنسانية من جيل لآخر، وهذا ما تؤكد عليه بالطبع اتفاقية منظمة اليونسكو الخاصة بصون التراث الثقافي غير المادي للبشرية.

وشهدت إمارة أبوظبي خلال الـ 15 عاماً الماضية، وتحديداً منذ مطلع 2006 حيث باشرت حينها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث مهامها وإطلاق مشاريعها الفريدة على الصُعد الإماراتية والعربية والعالمية، تحوّلا بارزا في إطار عملية التنمية الثقافية المُستدامة، ترجمة ً لتطلعات طموحة في ترسيخ أبوظبي مدينة عالمية تصون تراثها الثقافي، عبر إدراك المخاطر التي تواجه التراث الشعبي على مستوى العالم.

"شاعر المليون".. "أمير الشعراء"
وشهد العام 2006 إطلاق الموسم الأول من برنامج "شاعر المليون" ليعقبه في 2007 إطلاق الموسم الأول من برنامج "أمير الشعراء"، هذه البرامج الثقافية التلفزيونية التي ساهمت في تطوّر الذائقة الأدبية والارتقاء بالوعي الثقافي والإنساني، وخلق فضاءات التعبير للشباب بعيداً عن الوقوع في فخّ المفاهيم المُتطرّفة.

ويحتل الشعر مكانة مرموقة في المنطقة العربية، وتمكنت تلك البرامج التلفزيونية من إعادة الوهج إلى الشعر باعتباره أحد أركان الفنون القولية في العالم العربي.

ونجحت أبوظبي خلال عقد ونصف من الزمن في اكتشاف 637 شاعراً من 25 دولة، تراوحت أعمارهم ما بين 18-45 سنة، تحوّلوا إلى نجوم في الأدب والشعر، عبر 9 مواسم من "شاعر المليون" و 8 مواسم من "أمير الشعراء"، مما ساهم في إعادة الاعتبار للشعر وفنون إلقائه بالارتكاز على قاعدة شعبية واسعة من حبّ الناس له.

وبرهنت المشاركات من شعراء صغار في السن على نجاح البرنامج في تشجيع المواهب الشابة، وعلى أن الشعر ما يزال مرغوباً ومنتشراً كوسيلة للتعبير عند مختلف فئات المجتمع.

وشارك 205 شعراء في برنامج "أمير الشعراء" لشعر العربية الفصحى، أصبحوا جميعهم نجوماً في سماء الشعر والأدب العربي، فيما حصل على لقب أمير الشعراء وبردة الشعر وخاتم الإمارة وجائزة المليون درهم إماراتي، شعراء من الإمارات، موريتانيا، سوريا، اليمن، مصر، والسعودية التي استحوذت على لقب المواسم الثلاثة الأخيرة.

ظاهرة إعلامية اجتماعية
وجاء إطلاق البرنامج انعكاساً لأهمية الشعر وارتباطه بالذاكرة والتاريخ والأصالة في المنطقة، ونجح في تحقيق جملة من الأهداف الثقافية من ضمنها تشجيع الأجيال الجديدة على تنمية مواهبهم الشعرية، وإتاحة الفرصة لهم للاحتكاك مع شعراء متميزين، والتعرف على الأوزان والقوافي والمدارس الشعرية المختلفة.

وتحظى برامج أبوظبي الشعرية بمعدلات مشاهدة مرتفعة، وتشكل ظاهرة إعلامية واجتماعية بكل معنى الكلمة، سيّما أنّ المتسابقين يطرحون في قصائدهم شؤون الوطن والمجتمع والانتماء والقيم والولاء، ويلهبون مشاعر الجماهير، ليعود الشعر ليصبح الشغل الشاغل للمجتمع، كما كان في العصور الغابرة.

وقد استطاعت تلك البرامج من أن تعبر الجغرافيا عبر البث التلفزيوني المباشر إلى مئات الملايين في الدول العربية وجميع الناطقين بلغة الضاد في أنحاء العالم، حتى أطلقت المسابقة بشهادة الجميع حركة شعرية أدبية هامة في المشهد الثقافي العربي.

1250 قصيدة
وبدأت منذ أسابيع مع نهاية العام 2019 فعاليات الموسم التاسع من برنامج "شاعر المليون" للشعر النبطي الأصيل، وذلك بمشاركة 48 شاعراً كما بات معروفاً في كل موسم.

وقد تمكن البرنامج من تقديم (432) شاعراً على مدى 9 مواسم خلال الفترة 2016-2020، منهم 21 شاعرة وصلت منهن 3 شاعرات من السعودية والإمارات لغاية اليوم للمرحلة الأخيرة للبرنامج.

أما عدد الشعراء الذين منحتهم أبوظبي فرصة الظهور الإعلامي الواسع للمرّة الأولى، وذلك عبر اختيارهم في قائمة الـ 100 الأولية، فقد تجاوز الـ 900 شاعر من أصل أكثر من (14000) شاعر قابلتهم لجنة التحكيم بشكل مباشر في جولاتها التمهيدية.

وقدّم الشعراء الـ 432 ما يزيد عن (1250) قصيدة خلال البث المُباشر على مسرح شاطئ الراحة، ما بين قصيدة رئيسية أو قصيدة مُجاراة، وذلك عبر 135 حلقة بث مباشر على مدى 9 مواسم.

وبينما شهد أكثر من (225 ألف شخص) حلقات "شاعر المليون" في مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي، فقد تابع البرنامج على الهواء مباشرة عشرات الملايين من عُشّاق الشعر النبطي في ظاهرة لم تشهد لها الساحة الثقافية العربية مثيلاً، حتى أنّ الباحثين والأكاديميين باتوا يؤرخون اليوم للشعر النبطي في مرحلتين أساسيتين، المرحلة الأولى عمرها 1000 عام، أما المرحلة الثانية فعمرها 15 عاماً فقط هي عمر مُسابقة شاعر المليون، في 9 مواسم شعرية قد تكون الأهم في تاريخ العرب الشعري.

ومن المُلفت أيضاً أنّ جائزة المركز الأول تبلغ خمسة ملايين درهم إماراتي (1.36 مليون دولار)، وتُعتبر الأعلى من نوعها على مستوى كافة المُسابقات والجوائز الأدبية والثقافية في العالم.

وقد حصل شعراء الإمارات على لقب "شاعر المليون" للموسمين (الخامس) و(السادس)، فيما حازت السعودية على لقب الموسمين (الثالث) و(الثامن)، والكويت على لقب الموسمين (الرابع) و(السابع)، وقطر للموسمين (الأول) و(الثاني).

ووصل للمراكز الخمسة الأولى لغاية الموسم الثامن: (22) شاعراً من السعودية، (6) شعراء من الإمارات، (5) شعراء من الكويت، شاعران من قطر، وشاعر واحد من كل من العراق، الأردن، البحرين، سلطنة عُمان، واليمن.

ومن بين 432 شاعراً شاركوا في المواسم الـ 9 من "شاعر المليون": 52 شاعراً من الإمارات، 169 شاعراً من السعودية (بنسبة 39%)، (71) شاعراً من الكويت (بنسبة 16%)، (33) شاعراً من الأردن، (27) شاعراً من سلطنة عُمان، (15) شاعراً من اليمن، (15) شاعراً من قطر، 13) شاعراً من البحرين، (12) شاعراً من سوريا، (10) شعراء من العراق، (4) شعراء من السودان، (3) شعراء من مصر، شاعران من فلسطين، وشاعر واحد من كل من: موريتانيا، تونس، ليبيا، الصومال، إيران، وأستراليا.


1000 عام من الإبداع
ويحتل الشعر النبطي مكانة مرموقة في منطقة الخليج العربي، تتمثل في كونه اللون الأدبي الشعبي الشائع الذي يعبر الناس بوساطته عن مشاعرهم وقضاياهم، ويطابق هذا الشعر في شكله وأسسه الفنية الشعر العربي الفصيح التقليدي، فهو شعر عربي الأصول والأبنية والتقاليد، بدوي اللهجة العامية، وفقاً لما يوضحه د.غسان الحسن عضو لجنة تحكيم "شاعر المليون" وصاحب الدكتوراه الوحيدة في العالم في مجال الشعر النبطي ودراساته.

وتسمية هذا الشعر باسم "النبطي"، نابعة من أن كلمة "نبطي"، في العهد الذي نشأ فيه الشعر النبطي، كانت تعني عجمة اللسان وعدم الفصاحة، سواء أكان الموصوف بها عربياً أم غير عربي، ولذا فقد سمي الشعر الذي خرج عن أصول الفصحى وقيل بالعامية البدوية باسم "الشعر النبطي"، ويعيد مؤرخو الأدب ظهور هذا النوع من الشعر الى حوالي سنة 450 هجرية في البوادي العربية.

وللشعر النبطي أسس بنائية وفنية متوارثة وكثيراً ما تتوافق هذه مع أسس الشعر العربي الفصيح. وتتأثر بما يستجد فيه من ظواهر، أما النواحي الوزنية والموسيقية فقد بنيت أسس الشعر النبطي فيها على أسس الشعر العربي.