الأربعاء 26 فبراير 2020 / 13:07

ماذا تعني نتائج الانتخابات الإيرانية الأخيرة؟

رأى الباحث محمد آية الله طبار أن ضعف الإقبال في الانتخابات البرلمانية الإيرانية يعكس خيبة أمل الشعب الإيراني من نظام الملالي وقمعه بوحشية للمتظاهرين في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكذلك التورط في إسقاط طائرة الركاب المدنية الأوكرانية، معتبراً أن فوز المحافظين يمهد الطريق لصعود رئيس متشدد.

وأجرت إيران يوم الجمعة الماضي انتخاباتها البرلمانية الحادية عشرة منذ الثورة الإسلامية التي اندلعت في عام 1979، وتُعد هذه الانتخابات الأولى منذ تجديد إدارة ترامب للعقوبات التي أصابت اقتصادها بالشلل.

مقاطعة الانتخابات
ويُشير الباحث، في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن نسبة المشاركة في التصويت كانت الأدنى منذ عام 1979، مع 42,5% فقط، وفاز فيها تحالف فضفاض من المرشحين المحافظين. وفي العاصمة طهران، اختار قرابة 75% من الناخبين مقاطعة الانتخابات، وفاز المرشحون المحافظون الموالون للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بـ 30 مقعداً في البرلمان.

ويواجه الناخبون الإيرانيون معضلة في المشاركة أو مقاطعة الانتخابات؛ حيث إن الخيار يكون محدوداً ويعمد مجلس صيانة الدستور (لجنة دستورية مكونة من ستة رجال دين وستة من رجال القانون الذين يفحصون المرشحين للانتخابات) إلى استبعاد ترشيح كل المنتقدين للنظام.
واستبعد مجلس صيانة الدستور أكثر من 7000 مرشح من انتخابات يوم الجمعة الماضي، معظمهم من الإصلاحيين والمعتدلين، بمن فيهم 90 من أعضاء البرلمان الإيراني الحالي، وذلك بسبب عدم ولائهم الإيديولوجي الكافي لنظام الملالي. وأدت هذه الخطوة إلى تقليل مشاركة الناخبين إلى حد كبير.

وكان الإقبال على التصويت في المدن الأصغر أعلى من طهران؛ إذ يتوافر للمواطنين حوافز أكبر للتصويت خاصة مع وعود المرشحين بإنشاء مدارس ومستشفيات أفضل وتحسين شبكة الطرق والانترنت، فضلاً عن الوعود بالرعاية الفردية. ويعتبر الباحث أنه في ظل ضعف الاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية، تتيح مشاركة أكبر للمحافظات في الانتخابات فرصة للمساومة من أجل الحصول على حصة أفضل من الكعكة المتقلصة من طهران.

إشكالية الانتخابات
ويقول الباحث: "في طهران والمدن الكبرى الأخرى، لا تعكس الانتخابات البرلمانية تفضيلات المواطنين لفصائل معينة داخل النظام فحسب، وإنما شرعيته أيضاً بشكل عام. وفي كثير من الأحيان، تتقلب معدلات المشاركة في المدن الكبرى وتعكس التنوع السياسي للمرشحين".

ويورد الباحث أن الإيرانيين من خلال رفضهم للتصويت عبروا عن غضبهم وخيبة أملهم من القمع الدموي الذي قام به نظام الملالي والحرس الثوري الإيراني ضد المتظاهرين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكذلك تورط النظام في إسقاط طائرة الركاب المدنية الأوكرانية بالقرب من طهران في يناير (كانون الثاني). ولكن مقاطعة الانتخابات تنطوي على إشكالية تتمثل في أنها تفتح أبواب البرلمان للجناح الأكثر تشدداً في النظام السياسي.

وبناء على ذلك، يقف الشعب الإيراني عند مفترق طريق، ويضع نظام الملالي جهاز الدولة تحت سيطرة ما يعتبره النخب الموالية له. وتسمح هذه البيئة المضطربة سياسياً واقتصادياً وإقليمياً بانتقال السلطة بشكل منظم إلى المرشد الأعلى الذي سيخلف خامنئي.

نفوذ للحرس الثوري في البرلمان

وعلى عكس الانتخابات البرلمانية لعام 2016 التي نجح فيها عدد كبير من المرشحين الإصلاحيين المعتدلين بالحصول على 30 مقعداً لطهران في البرلمان، فإن نتيجة الانتخابات الأخيرة أسفرت عن فوز المحافظين في طهران بقيادة محمد باقر قاليباف، الرئيس السابق لجناح سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني، ومن المتوقع أن يكون رئيس البرلمان القادم. وعلى هذا النحو يضمن الحرس الثوري الإيراني وجوده وسيطرته على البرلمان أيضاً.

ويوضح الباحث أن الرد الوحشي على احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) في جميع أنحاء البلاد يؤكد قدرة الجهاز الأمني لنظام الملالي على إخماد الاضطرابات، كما يرسخ الجيش المتعدد الجنسيات من الوكلاء تحت راية فيلق القدس الذي يعمل في لبنان وسوريا والعراق واليمن، إرادة طهران وفاعليتها في الدفاع عن نفوذها بالخارج ومكافحة تهديدات الدول المعادية.

ولكن شكل الدستور الإيراني يجعل نظام الملالي هو الفائز في جميع الأحوال، ففيما تساهم المشاركة الكثيفة للناخبين في إضفاء الشرعية على النظام، تقود المقاطعة دوماً إلى انتصار المحافظين. وتكون الانتخابات أيضاً بمثابة مؤشر تتعرف من خلاله الدولة على مشاعر الشعب تجاه النظام الحاكم، لتقوم بإدارتها والتعامل معها قبل أن تتحول إلى تمرد جماعي.

احتجاجات الشعب الإيراني
ومع مثل هذه القيود المؤسسية، تفوق المواطنون الإيرانيون في مرات كثيرة على قادتهم وأذهلوا العالم باستخدام الانتخابات كأداة لتنسيق الحركات الاجتماعية والسياسية على مستوى البلاد.

 وعلى سبيل المثال بعد وفاة آية الله روح الله الخميني عام 1989، مؤسس الجمهورية الإسلامية، ومع التراجع التدريجي للحماسة الثورية، وفرت المنافسة بين أتباع الخميني فرصة سياسية ضيقة للمواطنين الإيرانيين.

ومن خلال اختيار المرشحين الذين بدوا بعيدين عن نظام الملالي، كشف الشعب الإيراني عن تفضيله للتغيير الجذري، ليس فقط للنخب الحاكمة ولكن أيضاً لبعضهم البعض. وبدلاً من تقوية النظام، كثيراً ما تحولت الانتخابات إلى احتجاجات وطنية، الأمر الذي أدى إلى تعميق الفجوة بين الدولة والمجتمع وزيادة استقطاب سياسات الفصائل.

ولفت الباحث إلى أن النتائج المباشرة للسياسات الانتخابية والاحباطات الشعبية من قمع نظام الملالي لنضال الشعب الإيراني للحصول على حقوقه المدنية قد تجسدت في انتفاضة الطلاب عام 1999 بسبب حملة الحكومة على وسائل الإعلام وكذلك الحركة الخضراء ضد تزوير الانتخابات لصالح محمود أحمدي نجاد في عام 2009.

بيد أن النخب الحاكمة استمرت وأدارت الانتخابات والاحتجاجات على مدى ثلاثين عاماً من خلال سلسلة من الإجراءات القمعية والتنازلات، وأحياناً كان الإحباط يدفع المواطنين إلى مقاطعة الانتخابات ولكنهم كانوا يعودون إلى صناديق الاقتراع بقوة.

صعود رئيس متشدد
ويقول الباحث إن الانتخابات البرلمانية في إيران باتت مؤشراً ثابتاً للعلاقات بين الدولة والمجتمع، وعكس ضعف الإقبال في الانتخابات البرلمانية لعام 2004 خيبة أمل الشعب بعد فشل حركة الإصلاح التي بدأت في الانتخابات الرئاسية عام 1997 لحماية الحقوق المدنية، مما أدى إلى انتخاب أحمدي نجاد رئيساً للبلاد في عام 2005.
  
وبالمثل أكدت نسبة المشاركة العالية في الانتخابات البرلمانية لعام 2016 تأييداً للرئيس حسن روحاني والاتفاق النووي الذي تم توقيعه مع الولايات المتحدة والدول الكبرى، وكانت دليلاً على إعادة انتخابه الساحق في العام التالي. ولكن انتصار المحافظين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة يعكس أن الشعب الإيراني يشعر بخيبة أمل من السياسة الانتخابية التي لا تقدم شيئاً، ويمهد لصعود رئيس متشدد إذا استمرت اللامبالاة الشعبية، وربما تعيين مرشد أعلى أكثر تشدداً بعد خامنئي خاصة مع غياب الضغط العلني والمساومة بين النخبة.

ويتوقع الباحث ألا يعود الناخبون الإيرانيون بسهولة إلى صناديق الاقتراع بعد هذه الدورة الانتخابية الأخيرة التي قد تكون بداية موت السياسة الانتخابية الإيرانية المحدودة، لاسيما مع تزايد الاحباط حيال النظام السياسي في البلاد والتهديدات الخارجية لأمن بلادهم وسلامتها الإقليمية. ولايزال المسار الذي سوف يتخذه المجتمع الإيراني غامضاً.
  
ويختتم المقال بأن الانتخابات في الماضي مهدت الطريق للتبادلات الثقافية والمفاوضات الدبلوماسية والاتفاق النووي، ولكن هذا الاقبال المتدني للناخبين وانتصار المحافظين ينذران بمرحلة أكثر اضطراباً بين الولايات المتحدة وإيران.