الأحد 15 مارس 2020 / 17:59

كورونا ومشكلاتنا الفكرية العلمية

المسلمون، قبل غيرهم من البشر، بحاجة إلى أن يدرسوا تاريخ العلم وكيف حقق هذه الانتصارات المذهلة في القرون الثلاثة الماضية، لا بد أن يتعلموا الطريقة التي انتصرت بها الصين على هذه الكارثة المرعبة، وأن يعلموا قبل كل ذلك، أن من مصلحتهم أن يكونوا جزءاً من هذا العالم لا خارجه

موقف معظم العرب والمسلمين اللامبالي من انتشار فيروس (COVID-19) المشهور باسم كورونا 2 لا يدعو أبدأً للإعجاب ولا للافتخار، فلا هو موقف المتحضر المؤمن بالعلم ولا هو توكل المتصوفين، بل هو موقف ينبثق عن الكسل والبلادة وعبادة العادة وعدم الرغبة في التغيير وغياب الرغبة في القيام بأي فعل مختلف والنفور الشديد من ارتباك نمط الحياة.
  
ليس الهدف هنا هو إخافة الناس بحيث نجد أنفسنا أمام عصاب جماعي يفاقم المشكلة ولا يحلّها، لكن طريقة تعامل جماهير المسلمين، بالذات، مع الفيروس لم تكن صحيحة، بل إن بعضهم اعترض على فعل الحكومة السعودية التي علّقت العمرة حماية لمواطنيها والمقيمين على أرضها ولم تلتفت لضجيج المهرطقين. هذا المكان يتسع لمئات الألوف من البشر، فماذا تتوقع لو فتح المجال لهم بحيث يصبح المسجد الحرام وقلة المسلمين، أكبر موقع لنقل العدوى على مستوى العالم!

ذلك الضجيج أعاد لذهني أزمة المسلمين الأولى، عندما أداروا ظهورهم للعلم وكفّروا الفلاسفة وأهانوا العلماء ودخلوا في عصر الانحطاط. لقد رفضوا مبدأ السببية الذي يقوم عليه العلم كله، بل الحياة بأسرها، وقالوا إن كل شيء من الله، منه المرض ومنه الصحة، ولا أسباب ولا مسببات ولا قوانين ولا سنن كونية، حتى إنهم زعموا إن الحَجَر عندما يرتطم بالزجاج، لا يكسره إلا بقدرة يخلقها الله في تلك اللحظة، وكل ما يحدث في هذا الكون لا يحدث إلا بتدخل إلهي في كل لحظة. وهكذا أحدثوا للمسلم المستقبلي شللاً لن يشفى منه بسهولة ودمروا مبدأ السببية والعلم من ورائه، ومن ورائهما ماتت النظرة العلمية التي توصل الإنسان إلى قراءة العالم وما يحدث فيه قراءة صحيحة، ومع الضحايا المجندلة يميناً ويساراً، وجدنا العقل النقدي الذي يحلل ويركّب، ويطرح الأسئلة الصحيحة والإجابات الدقيقة، هو الآخر قتلوه، قتله جهلة الفقهاء.

كل هؤلاء ماتوا في زمن الانحطاط، ولا زلنا نفكر بتلك العقلية المنتحرة، كل شيء من الله، وليس للإنسان دور في حياته على الإطلاق، ولا بأس عليك إن خالطت مصابين بالفيروس بدون ضرورة، لأن الله هو القادر على نقل الفيروس إليك وهو القادر على حمايتك منه، فلا فرق بين التعرض للفيروس وبين البقاء في دارك. أضف إلى هذا أنك قد تموت في حادث سيارة!
  
لم أدبّج هذه المقالة تشكيكاً، بل كل شيء من الله فعلاً، لكن كل من له مَسكة من عقل يشعر بأن الإنسان يملك حرية الإرادة وله دور كبير في صناعة حياته. وعندما يجلس المتواكلُ مفلساً جاهلاً جائعاً فليس له أن يلوم أحداً، سوى نفسه.

أمامنا مثال صارخ على هذا الدور الإنساني المشرق الفعال نراه في البلد التي نُكبتْ أولاً بهذا الفيروس. إنها الصين التي أقامت أربعة مستشفيات في عشرة أيام لمواجهة الكارثة، ثم زاد عدد المستشفيات بعد ذلك، بل رأيناها في الأيام الماضية تستدعي رعاياها الذين يقيمون في دول جاهلة لم تحسن التعامل مع المشكلة. الصين التي وصل فيها عدد الحالات المبلغ عنها إلى ما يقارب أربعين ألف إصابة في أقل من شهرين، انتصرت اليوم على المرض، وقد صار نصرها نصراً للإنسانية جمعاء.

لقد اتخذت إجراءات مشددة لمنع انتشار الفيروس، شملت فرض حجر صحي على أكثر من 50 مليون شخص في مقاطعة هوبي، ومحاصرة المقاطعة الواقعة في وسط البلاد وعاصمتها ووهان. وقد طالعتنا الصحف الأسبوع الماضي بخبر سعيد، مفاده أن 50% من المصابين بفيروس كورونا قد شُفوا، إذ بلغ عدد من تم شفاؤهم حتى الآن نحو 43 ألف حالة من بين 87 ألفاً تم تسجيلهم في نحو 60 دولة حول العالم، وذلك بفضل التدابير الصارمة التي انتهجتها الحكومات العاقلة في التعامل مع الإصابات المسجلة.
هذا الفيروس فرصة لتغيير نمط حياتنا، وتغيير طريقة تفكيرنا أيضاً. إنه لشيء عظيم فعلاً، أن يكون الإنسان متديّناً، الدين يمنحنا الطمأنينة وراحة البال، لكن الدين بلا علم قاد أناس ربما كانوا في يوم من الأيام أطفالاً أبرياء طيبين، فأصبحوا دواعش وقتلة.

المسلمون، قبل غيرهم من البشر، بحاجة إلى أن يدرسوا تاريخ العلم وكيف حقق هذه الانتصارات المذهلة في القرون الثلاثة الماضية، لا بد أن يتعلموا الطريقة التي انتصرت بها الصين على هذه الكارثة المرعبة، وأن يعلموا قبل كل ذلك، أن من مصلحتهم أن يكونوا جزءاً من هذا العالم لا خارجه.