عسكريون أردنيون يضعون كمامات للوقاية من كورونا في عمان.(أرشيف)
عسكريون أردنيون يضعون كمامات للوقاية من كورونا في عمان.(أرشيف)
الجمعة 20 مارس 2020 / 19:02

كورونا لا يقبل بالفشل!

هذا الحجر طبّق على كل من قدم إلى الأردن من الخارج بما في ذلك الامراء من العائلة الهاشمية والوزراء الحاليون او السابقون، وهو ما أعطى عملية الحجر مصداقية عالية

لم يسبق للبشرية أن واجهت تحدياً متوحشاً وضخماً بحجم واتساع وانتشار فيروس كورونا، ومن فضل الله على البشر أن هذا الفيروس لا يقتل إلا نسبة بسيطة من الذين يصابون به، وهي حسب البحوث والدراسات لا تتعدى 2 % إلى 3 %، ولكنه في المقابل سريع الانتشار بدرجة مرعبة بحيث أصبح موجوداً في كل القارات وفي الأغلبية العظمى من دول العالم.

 ومع توسع انتشاره، ظهر بدرجة أو بأخرى مدى قدرة الدول ومجتمعاتها على مواجهته، ولم يعد المعيار في مواجهة هذا التحدي هو عظمة تلك الدولة اقتصادياً أو علمياً أو سياسياً، بل "القوة المجتمعية" أي قوة المجتمع بجميع طبقاته وفئاته العمرية وشرائحه الثقافية. والدليل على ذلك أن دولاً عظمى اقتصادياً وسياسياً وقعت ضحية لتهاونها أو استهتارها في مواجهة هذا "الفيروس الخبيث"، وأبرز الأمثلة على ذلك إيطاليا وفرنسا وأمريكا وكوريا الجنوبية، وبات هناك نهجان في التعامل معه، النهج الأول ويتمثل بالاشتباك المبكر معه وبكل قوة للسيطرة عليه ومنعه من الانتشار وربما يكون النموذج الأردني هو النموذج الساطع والمبهر والملفت في هذا الإطار. أما النهج الثاني فهو التراخي وتغييب العلم وسلطته والارتهان للغيبات في تسخيف قوة الفيروس وسطوته وعدم الجدية في التعامل معه منذ البداية. والأمثلة على ذلك كثيرة من أبرزها على الإطلاق النموذج الايطالي (الذي يمثل حالة الاستهتار والتراخي)، والنموذج الإيراني – العراقي - اللبناني -السوري، حيث سمعنا وشاهدنا على وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الفيديوهات التي تظهر خطباً لبعض رجال الدين من الطائفة الشيعية الكريمة يرفضون حتى تعقيم المزارات المقدسة ويعتبرون أن تعقيم هذه المزارات في ايران وفي العراق وفي دمشق هو نوع من "الكفر والشرك" على اعتبار أن هذه المزارات هي طاهرة بطهارة وقدسية من "يرقدون فيها من أئمة وصحابة" ولا يمكن أن تدنس لا بالفيروسات ولا بأي نوع من الأمراض. وكانت مثل هذه الفتاوى الدينية سبباً في استمرار تدفق الناس إلى هذه المزارات التى ثبت أنها كانت بيئة موبؤة بالفيروس الذي سرعان ما انتشر بين ملايين البشر ووصل للطبقة الدينية والسياسية وانتقل من قم وشيراز للسيدة زينب في دمشق ولبنان، وإلى اللحظة تعاني هذه البلدان من صعوبة التصدي للفيروس والحد من انتشاره وتحوّل في إيران تحديداً إلى وباء حقيقي.

في التجربة الأردنية كانت الخطوات المتخذة سريعة ومحددة ومدروسة بدقة في غرفة عمليات مركزية على رأسها الملك عبد الله (مركز إدارة الأزمات)، حيث جرى الإعلان عن موعد إغلاق مطار "الملكة علياء الدولي" إضافة إلى المعابر البرية والبحرية قبل موعد الإغلاق الرسمي بثلاثة أيام. وجهزت حافلات عسكرية وبإشراف من الجيش قامت بنقل الأردنيين أو المقيمين في البلاد الذين وصلوا إلى المطار، إلى حجر صحي في فنادق من فئة خمس نجوم أو أربع نجوم في عمان والبحر الميت ومدينة العقبة. والمهم في هذا الحجر أنه تم في أماكن نظيفة جداً ومريحة وبخدمات فندقية راقية ومجاناً على حساب الدولة. أما النقطة المهمة للغاية في هذا الأمر أن هذا الحجر طبّق على كل من قدم إلى الأردن من الخارج بما في ذلك الأمراء من العائلة الهاشمية والوزراء الحاليون أو السابقون، وهو ما أعطى عملية الحجر مصداقية عالية ليس على صعيد البعد الصحي والعلاجي فحسب بل على الصعيد المجتمعي وهو عنصر مهم جداً للابقاء على تماسك ووحدة المجتمع ومنع تفسخه من الداخل بسبب التمييز أو التحيز.

ما فعله الأردن يعد عملاً جباراً قياساً بامكاناته المادية والمالية المتواضعة. صحيح أنه يمكن للكثير من الدول فعل ذلك، إلا أن إجراءات كهذه تحتاج إلى التخطيط والأهم القيادة. ففي الأزمات يتجلى دور القائد، وفي الأردن وبكل موضوعية نجح الملك عبد الله الثاني في إدارة الأزمة بنجاح بعقلية جمعت بين خلفيته العسكرية المحترفة والحاسمة وعقليته السياسية القريبة من الناس وتلمس همومهم.