المغدورة اليمنية إصباح يحيى أحمد مهدي (أرشيف)
المغدورة اليمنية إصباح يحيى أحمد مهدي (أرشيف)
الجمعة 27 مارس 2020 / 19:38

"إصباح" تموت بشرف

لم تمهلنا عجلة الذكورية دائمة الدوران طويلاً بعد الجريمة المروعة بمقتل إسراء غريب في فلسطين، حتى وجدناها تمر على جثة ضحية شرف جديدة. إنها هذه المرة إصباح يحيى، في اليمن.

المقصد –ربما- هو تسليط الضوء على حجم التجنّي الذي واجههن في أيامهن الأخيرة، وعظم العقاب الجائر الذي أوقعته عليهن الأبوية

تجرّعت إصباح السم، وعُذبت، ومن ثم خُنقت بحبل ملتف حول رقبتها، بذريعة إقامتها علاقة مع أحد الشبان.

ولكن الجريمة الحقيرة التي ارتكبها الأخوة صديق، وسلطان، وشهاب لم تجعل الدم يغلي في عروقي بقدر تناقل وسائل إعلامنا العربية لتقرير الطب الشرعي المبني على معاينة وفحص جثة المجني عليها، ومسارعتهم إلى نشر تفصيل محدد فيه:
  
"إصباح كانت عذراء أصلاً"!

ولسنا حتى في حاجة إلى القراءة بعمق ما بين السطور لتتضح لنا خطورة هذه العبارة ومشتقاتها.

ففي 2011، سقطت فتاة إماراتية ضحية جريمة شرف في أبوظبي بعد أن كذبت زوجة والدها بعد مغادرتها للمنزل قبل أسبوع كامل، والواقع أن المجني عليها توجّهت إلى منزل عمها قبل ساعتين فقط من إقدام والدها على إزهاق روحها.

ولحسن الحظ، فإن وسائل إعلامنا التي كانت تفتقد إلى قدر ملحوظ من الحصافة والحكمة آنذاك، فسهّلت مشكورة، كشفنا مواقفها من حرية المرأة في أفكارها ونمط حياتها وجسدها، ونشرت صحيفة في تقريرها عن الجريمة آنذاك "وأوضح تقرير الطب الشرعي أن الفتاة عذراء، ولم ترتكب ذنباً تستحق أن تدفع حياتها ثمنا له".

هكذا، بالحرف. وإن الله ومحرك البحث غوغل، على ما أقول شهيدان.

التأكيدات المستمرة لـ "عذرية وطهر" قتيلات جرائم الشرف لا ترمز في الواقع لغير قابليتنا، وإن لم نعد نعترف بها صراحة في 2020، لتبرير إزهاق أرواحهن إذا ارتكبن الخطيئة المزعومة.

إنه محض تعاطف مع نساء اتهمن زوراً وبهتاناً بممارسة فعل ما، ثم قُتلن بسبب التهمة الكاذبة، وليس تعاطفاً يشمل من قد يقدمن بكامل وعيهن، وإرادتهن على ذلك، فيدفعن الثمن تعنيفاً، وتعذيباً، وحبساً، وقتلاً.

أحاول أن أتفهم حسن النية خلف السردية المستفزة التي تشير إلى عذرية وطهارة ضحايا جرائم الشرف. فالمقصد ربما، هو تسليط الضوء على حجم التجني، الذي واجههن في أيامهن الأخيرة، وعظم العقاب الجائر الذي أوقعته عليهن الأبوية.

ولكن علينا البدء في التفطن جيداً إلى وقع الكلمات، والعبارات، التي نستخدمها عوض رميها بشكل اعتباطي على الورق.

فالتشديد الدائم والمتهور على عذرية ضحايا جرائم الشرف سيعكس تصوراً باستحلال كل ما هو دون إزهاق الروح في التعامل مع خيارات الفتيات مع أجسادهن.

أي "كأنك يا أبو زيد ما غزيت" كما يقول المثل الخليجي الشهير، فنحن لن نزعزع الوصاية الذكورية المؤلمة على أجساد النساء قيد أنملة، بل سنكتفي بتغيير السلاح الذي تُعاقبن به.

لا يعنيني إن كانت إصباح يحيى عذراء، ما يعنيني هو صورة جثتها المشنوقة غدراً وظلماً.