الإثنين 30 مارس 2020 / 14:07

كورونا...الأزمة الأخطر على الأسواق الناشئة

قال المؤرخ آدم توز، مدير المعهد الأوروبي بجامعة كولومبيا الأمريكية ومؤلف كتاب "انهيار: كيف غيرت عقود من الأزمات المالية العالم"، إن فيروس كورونا يُعد أكبر أزمة تواجه الأسواق الناشئة على الإطلاق، خاصة بعد أن انتشر بشكل سريع في جميع أنحاء العالم، وبدأ في إسقاط أحد ركائز عصر العولمة.

ضرب الفيروس تشيلي وتايلاند وتركيا، وتعثرت عملية إعادة هيكلة الديون في الأرجنتين، وانخفض سوق الأسهم في الهند وتراجع أيضاً سعر العملة، وفي الوقت نفسه أُصيبت صناعة التكنولوجيا المزدهرة في الهند ومراكز الاتصال بالشلل

ويُشير توز، في تقرير تحليلي مطول نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إلى أنه رغم اعتقاد الكثيرين أن الأزمة المالية التي شهدها العالم بين 2007 و2008 حددت معايير أي صدمة عالمية حادة، إلا أنها استغرقت أكثر من 12 شهراً لتنتشر من ضواحي كاليفورنيا وجنوب إسبانيا إلى المراكز المالية في العالم.

وفي المقابل، لم يستغرق فيروس كورونا إلا ثلاثة أشهر لإغراق الصين في البداية، والآن أوروبا وأمريكا الشمالية. ومع اجتياحه الغرب، تسبب في أزمة اقتصادية أكثر عنفاً من أي أزمة شهدها العالم سابقاً.

اضطراب هائل
ويعتبر المؤرخ أن التسلسل الزمني لهذه الصدمة العالمية يبدو متفاوتاً، ففي الغرب كان فيروس كورونا سبب الأزمة المالية، ولكنه في الأسواق الناشئة الكبيرة للاقتصاد العالمي مثل البرازيل، والأرجنتين، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والهند، وتايلاند، وماليزيا، لم يصل الفيروس بكامل قوته بعد، وفي هذه الأسواق الناشئة، سبقت موجة الصدمة المالية انتشار المرض، ولذلك تهدد الأزمتان، المالية وكورونا، باضطراب هائل في الأسواق الناشئة سيكون تأثيره على الاقتصاد العالمي أكبر بكثير من أي رئيس أمريكي مارق أو حتى الحرب التجارية.

ويقول التقرير: "تواجه العديد من دول الأسواق الناشئة والبلدان النامية تحدياً كبيراً، نتيجة تعرض سكانها للخطر، واستنفاد أموالها العامة، فضلاً عن اضطراب أسواقها المالية. تُرى هل ستتوفر لها الموارد اللازمة للتغلب على هذا التحدي؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فأين ستجد هذه الدول المساعدة الخارجية في عالم متعدد الأقطاب ويتزايد انقسامه إلى حد كبير، لاسيما أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين تشهدو جميعها اضطراباً غير مسبوق؟".

ويورد التقرير أن دولاً عدة باتت معرضة للخطر بسبب كورونا، وفي مقدمتها جنوب أفريقيا، كما ضرب الفيروس تشيلي، وتايلاند، وتركيا، وتعثرت إعادة هيكلة الديون في الأرجنتين، وانخفضت سوق الأسهم في الهند، وتراجع أيضاً سعر العملة، وفي الوقت نفسه أُصيبت صناعة التكنولوجيا المزدهرة في الهند ومراكز الاتصال، بالشلل.

ولكن أزمة كورونا لم تضرب الأسواق والسندات الحكومية فقط، ولكنها ضربت السلع أيضاً، خاصة النفط، بعد انهيار المحادثات بين أوبك وروسيا، وأدى الإغراق المستمر لسوق النفط إلى انخفاض الأسعار، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على الدول التي تعتمد مواردها على عائدات النفط والغاز.

معضلة ديون الأسواق الناشئة
ويوضح تقرير "فورين بوليسي" أنه بين 2007 و2019 تضاعفت قيمة ديون شركات الأسواق الناشئة المتداولة دولياً خمس مرات تقريبا، من 500 مليار دولار إلى 2.3 تريليون دولار. وفي الفترة نفسها، اشترى المستثمرون الأجانب ربع السندات السيادية بالعملة المحلية التي أصدرتها حكومات الأسواق الناشئة، ما ساعد على الدفع، بين أمور أخرى، للبنية التحتية الجديدة المثيرة للإعجاب.

ولكن مراقبي الاقتصاد العالمي يؤكدون أن تصاعد الدين العالمي إلى هذا الحد الهائل ينطوي على مخاطر، وينطبق ذلك بشكل خاص على ما يُطلق عليه اسم "المقترضين عبر الحدود"، وهي الدول ذات الدخل المنخفض والمخاطر العالية التي تضاعفت ديونها التجارية بالعملة الصعبة ثلاث مرات في السنوات الخمس الماضية، حتى 2019 إلى أكثر من 200 مليار دولار. وبنهاية 2019، كان ما يقرب من نصف الدول الأقل دخلاً في العالم يعاني بالفعل من ضائقة ديون.

ويرى التقرير أن منطق الاستثمار في الأسواق الناشئة قد انقلب بالكامل إلى الاتجاه المعاكس، فبينما يتنافس المستثمرون في كل مكان بحثاً عن الأمان، ارتفع الدولار، ما جعل ديون الدولار أكثر كلفة.

وفي الوقت نفسه هبطت أسعار السلع، ومع إغلاق الصين، وأوروبا، والولايات المتحدة لم تعد لمصدري البضائع والسلع المُصنعة أسواق لمنتجاتهم. وليس مستغرباً أن تكون أسواق الأسهم من جاكرتا إلى ساو باولو، في سقوط حر.

عمليات تصفية الأسهم
وفي الأسبوع الماضي، أعادت الجهود المالية والنقدية الضخمة بعضاً من الحياة في أسواق الأسهم. وكان بيع الأسهم بأسعار منخفضة للتصفية ضخماً للغاية للمستثمرين لعدم البحث عن صفقات. وأدى ضخ سيولة كبيرة بالدولار إلى تراجعه بعيداً عن أعلى مستوياته. ولكن الركود الفعلي في اقتصاد الدول المتقدمة في العالم قد بدأ الآن، وذلك في الوقت الذي لم تصل فيه جائحة كورونا بكامل قوتها، بعد إلى الأسواق الناشئة.

وحسب التقرير، فإن كورونا ليست الصدمة الأولى التي تواجهها الأسواق الناشئة في الآونة الأخيرة، فخلال العقود الأخيرة تعرض التدفق الهائل للاستثمار والتجارة الذي ربط الاقتصاد العالمي بشكل لم يسبق له مثيل، لانقطاع متكرر.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي، وبقدر استفادة الأسواق الناشئة من العولمة، كان عليها أيضاً التعامل مع التقلبات الشديدة مثل أزمتي 1998 و2001 اللتين ألحقتا الضرر بروسيا، والأرجنتين.

ومع ذلك، فإن ما نشهده في الأشهر الأخيرة، أمر غير مسبوق، لأنه عبارة عن بيع شامل وعشوائي تقريباً، وعلى نطاق واسع.

ويشدد التقرير على أن ما تحتاجه الأسواق الناشئة حقاً يتمثل في عودة الأعمال التجارية في الاقتصاد العالمي. لذلك فإن على الأوروبيين والأمريكيين إنقاذ أنفسهم. ولكن هناك الآن طرف ثالث رئيسي في الاقتصاد العالمي، وهو الصين.

حماية النظام المالي للصين
ويلفت التقرير إلى أن الصين بعدما نجحت في السيطرة على كورونا، يبدو أنها ستخرج من الأزمة الاقتصادية أسرع من أوروبا أو الولايات المتحدة. وإذا كانت الصين الآن تقدم المساعدة الطبية إلى دول أخرى، فهل يمكنها فعل المزيد؟ وماذا يمكنها أن تفعل من الناحية الاقتصادية والمالية؟

ويضيف تقرير المجلة الأمريكية "اللافت للنظر حتى الآن هو هدوء الأخبار الاقتصادية عن الصين، ورغم أن أزمة كورونا بدأت هناك، إلا أن النظام المالي الصيني محمي بعناية من قبل بنك الشعب الصيني، وتبدو العملة الصينية مستقرة نسبياً، وهو أمر جيد للأسواق الناشئة، وتعتمد الصين على قدرتها التنافسية لتحقيق التوازن بين عملتها والدولار، خاصةً أن ارتفاع الدولار وانخفاض الرنمينبي، سيكون أسوأ ما تواجهه. وتعد كل من الصين والولايات المتحدة من الأسواق الرئيسية، وتُسعر السلع بالدولار وينطبق ذلك أيضاً على التمويل".

ولكن إذا كان النظام المالي الصيني محصناً نسبياً حتى الآن من الذعر، فإن الشيء المفقود، حسب التقرير، يتمثل في نوع الدعم الاقتصادي كما الذي قدمته بكين في 2008، وبالنسبة للمعركة ضد فيروس كورونا فقد أمكن السيطرة عليه بطريقة حقبة ماو "حرب الشعب"، ولم تتجاوز الحوافز المالية، بما في ذلك الإقراض  من قبل بنوك السياسات، 430 مليار دولار أمريكي، وهو مبلغ أقل مما عبأته الولايات المتحدة وألمانيا.

ركود الاقتصاد العالمي
ويرى التقرير أن بكين ستحتاج إلى بعض الوقت لاستعادة التوازن بعد صدمة الطوارئ الطبية، خاصةً أنها باتت الآن أكثر تشدداً مما كانت عليه قبل 12 عاماً، فالسيطرة على تفشي كورونا الجديد ليست مهمة سهلة، إلى جانب التعامل مع الحالة الهشة للنظام المالي الصيني بعد سنوات من التحفيز، ولذلك تحتاج بكين إلى إعطاء الأولوية لبنوكها قبل أن تتمكن من المضي قدماً في الاقتصاد، خاصةً بعد تراكم البنية التحتية غير المنتجة نسبياً والتي أثقلت كاهل اقتصادها بالديون.

ويخلص التقرير إلى أنه وبالنظر إلى هذه القيود، سيكون من العبث أن نتوقع تقديم الصين في 2020 القوة المحركة لسحب الاقتصاد العالمي من الركود، وربما تجد نفسها تتعامل مع أزمة ديونها العالمية في العالم المصغر.

وقبل 2020، كانت الصين مقرضاً رئيسياً للعالم النامي، وجعلت الاستثمار الأجنبي المباشر والقروض المباشرة تعادل حوالي 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وبلغ الإقراض في إطار مبادرة الحزام والطريق منذ 2013 مئات مليارات الدولارات.

ويختتم تقرير "فورين بوليسي" قائلاً: "ستكون الطريقة التي تقرر بها بكين التعامل مع تلك الديون بمثابة اختبار واضح لنوع الهيمنة التي تطمح إليها. ولكن حتى إذا تمكن العالم من التغلب على التهديد الحاد في الأشهر المقبلة، فإن صدمة فيروس كورونا ستترك مشاكل مرعبة لإعادة الإعمار. وتعتمد النظرة المتوسطة الأمد للأسواق الناشئة بشكل حاسم على كيفية إعادة تنشيط الاقتصاد العالمي مرة أخرى".