عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي إدغار موران.(أرشيف)
عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي إدغار موران.(أرشيف)
الأربعاء 1 أبريل 2020 / 21:47

ليس أقل من ميلاد جديد

كأنّ الأمر يتعلق بسقوط أخلاقي، فقد أعلنتْ جهات مسؤولة في دول غربية كبرى، وبعض الولايات الأمريكية، عن انتخاب الحياة لفئات عمرية أصغر، أثناء المعركة مع فيروس كورونا، ويكون التبرير مشفوعاً بأن كبار السن راضون عن التضحية بحياتهم، قرباناً على مذبح الاقتصاد العالمي

ربط عالِم الاجتماع، والفيلسوف الفرنسي إدغار موران، أزمة فيروس كورونا، التي تجتاح العالَم، بأزمة العولمة. في اعتقاده أن العولمة فاقدة للتضامن، على الرغم من ظاهر اشتباكها، وارتباطها. العولمة تشتبك، وترتبط بالعنف، على سبيل المثال، خطاب العولمة المُوحَّد في دعم الإرهاب، بحجة الديمقراطية، وحرية التعبير، طوال العقود الثلاثة الماضية.

إن مسار العولمة نتج عنه توحيد تقني، اقتصادي، شمل كوكب الأرض، لكن العولمة لم تحرز تقدماً في مجال التفاهم بين الشعوب، بل عززت ما أسماه صامويل هنتنجتون بصراع الحضارات، فمنذ بدء هذا المسار في تسعينيات القرن الماضي، والأزمات المالية تزداد حدة، والحروب تشتعل، والهويات تتناحر.

أفرزتْ العولمة بنمط انتاجها المحموم، كارثة بصمة الكربون الإنسانية، على جلد الكوكب الأزرق. ريحة شياط. لسوعة الجلد الأزرق الرقيق. الدنيا محمولة على قرن تور. العولمة ساقتْ البشرية إلى مصير واحد، مصير التلوث البيئي، والتغير المناخي، وظهور الأوبئة، فمن المحتمل أن يكون فيروس كورونا مُشاركاً هذا المصير.

جسّد الاتحاد الأوروبي التضامن المفقود للعولمة العولمة. بدا الاتحاد الأوروبي في أزمة فيروس كورونا، متردداً، ضعيفاً، غير قادر على أخذ المبادرة، أمام اجتياح الفيروس لدول مثل إيطاليا، وإسبانيا، وحتى فرنسا. صرّح رئيس وزراء إيطاليا جوسيبي كونتي أن فيروس كورونا قد يُفقد الاتحاد الأوروبي سبب وجوده.

أضاف رئيس الوزراء الإيطالي: هل نريد أن نكون على مستوى هذا التحدي؟ إذاً فلنطلق خطة كبيرة، خطة أوروبية للتعافي، تُنعش الاقتصاد الأوروبي كله. هل يقصد رئيس الوزراء الإيطالي، خطة شبيهة بمشروع "مارشال"، الذي أعلنه الجنرال جورج مارشال، رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي في أعقاب الحرب العالمية الثانية 1947، لإعادة إعمار أوروبا؟

الاتحاد الأوروبي في حقيقة قوته الاقتصادية، وصنع القرار، يعني ألمانيا فقط، وللمفارقة مشروع "مارشال" كان من أهدافه الأساسية، إعمار ألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الثانية، وكانت فاتورة الإعمار، تجريد ألمانيا إلى الأبد من قوتها العسكرية، وخضوها التام لأمريكا. لا تستطيع ألمانيا التابعة للسياسات الأمريكية، القيام بإنعاش أوروبا اقتصادياً. أمريكا أيضاً بعيدة عن هذا الدور.

العيون تتجه إلى الصين، فهي قوة اقتصادية جبَّارة، تستطيع تمويل مشروع بحجم مشروع "مارشال" الأمريكي، لإعادة إنعاش الاقتصاد الأوروبي، فيما بعد كورونا، لكن العقبة الوحيدة أمام الصين، عقبة عسكرية. تملك الصين القوة العسكرية اللازمة، إلا أن الصين ليستْ دولة حروب، ولا تملك قلب المحارب، كأنها لا ترى علاقة بين السيادة الاقتصادية، والسيادة العسكرية، وهما في التاريخ متلازمتان.
  
يأمل الفيلسوف الفرنسي إدغار موران ألا تنغلق الدول بأنانية مريضة، على نفسها، كعقاب للعولمة، فالانغلاق القومي المتشدد ليس علاجاً، أو على الأقل، الانغلاق القومي قصير الأمد، يمثّل كياً بالنار، لا بد منه، وشيئاً فشيئاً، تسترخي القومية من تشنجها، وتتوازن على المدى الطويل مع مفاهيم العولمة والنيوليبرالية والرأسمالية.

بالمثل على مفاهيم العولمة والنيوليبرالية والرأسمالية، تخفيض كبريائها، وتغيير أسمائها، واستيعاب الخسارة، والتضحية بجزء من شموليتها. اللقاء في نقطة توازن هيغلية، لن يحدث إلا بعد مرارة الحجر المعرفي، كما نتجرّع الآن مرارة الحجر الصحي، الخاص بفيروس كورونا.

كأنّ الأمر يتعلق بسقوط أخلاقي، فقد أعلنتْ جهات مسؤولة في دول غربية كبرى، وبعض الولايات الأمريكية، عن انتخاب الحياة لفئات عمرية أصغر، أثناء المعركة مع فيروس كورونا، ويكون التبرير مشفوعاً بأن كبار السن راضون عن التضحية بحياتهم، قرباناً على مذبح الاقتصاد العالمي، ويتمادى الانحطاط الأخلاقي في جرد قائمة نازية، تشمل حرمان ذوي الإعاقة من العلاج.

بفضل البقاء في البيت، أو الحجر الصحي، هناك احتمالات لاستعادة علاقتنا بالزمن كما يرى إدغار موران. الزمن المُفتَرَى عليه، الفاقد صفة البطء، والاجترار، والتمهل. أمنية موران هنا تتجاوز كثيراً ما وصلنا إليه من انحطاط، فاستعادة الزمن على طريقة بروست، شديدة البعد عن الإنسان المعولم. ليس أقل من ميلاد جديد، لتحقيق أمنية موران.