ولي عهد ابوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد (أرشيف)
ولي عهد ابوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد (أرشيف)
الأربعاء 1 أبريل 2020 / 22:17

ثقة لا تهتزّ

دولتنا الغالية كانت، كعادتها، على قدر التحدي، وكسبت الرهان، فزاد ما أنجزته خلال الأسابيع الماضية من رصيدها وعزّز سمعتها الدولية، ولا نشك في أن القادم سيكون أجمل وأفضل

لو سألني أحد قبل شهرين عما سأكتبه في شهر إبريل (نيسان) لأجبته من دون تردد، ربما أكتب عن معرض أبوظبي الدولي للكتاب، أو جائزة الشيخ زايد للكتاب، أو جائزة البوكر العربية؛ فعادة ما أكون منخرطاً مع فرق العمل الموكلة بهذه الملفات الثلاثة في مثل هذا الوقت من كل عام.

ولم يكن أحد منا يتوقع أن يرى تجسيداً مكتملاً لفكرة "البجعة السوداء"، التي طرحها نسيم طالب واحتلت مكاناً مهماً قبل سنوات لدى علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع والدراسات الإنسانية. وتمثلت "البجعة السوداء" هذه المرة في فيروس لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، غير أنه كان قادراً على إحداث انقلاب جذري في الأولويات وأجندات العمل في جميع الدوائر والمؤسسات، ليس على مستوى دولة الإمارات فحسب، بل العالم كله. وكانت التأثيرات المترتبة على "كورونا" هائلة بكل ما في الكلمة من معانٍ، فقد عصفت في أسابيع قلائل بالاقتصاد العالمي وأزالت كل ما سواها من أحداث لتحتل وحدها كامل المشهد، والذي لا يجرؤ أحد أن يتوقع مساراته المستقبلية وتأثيراته المحتملة.

لقد أرخى كورونا بظلاله على كل تفصيلات حياتنا، سواء داخل البيت أو في مقار العمل أو في الأسواق، أو في وسائل التواصل الاجتماعي، وحطّمت كلمة كورونا كل الأرقام القياسية في تكرار ترددها على الشفاه وفي محركات البحث أيضاً، من دون أن يكون تداولها حكراً على فئة بعينها أو عمر محدد.

وفي الوقت الذي كان فيه الناس في الإمارات يتابعون بقلق ما يجري في مختلف دول العالم، والتطور الدراماتيكي لانتشار فيروس كورونا، كانت رسائل الطمأنينة تصلهم تباعاً من القيادة الرشيدة وطاقم العمل الحكومي المكلف بمتابعة الأزمة. ولم تكن الرسائل مجرد شحن عاطفي على الرغم من أهمية هذا العنصر في الأزمات، بل هي رسائل تستند إلى أرضية صلبة وثقة بإمكانات الدولة وقدرتها على التعامل مع مختلف أنواع الأزمات، وتمرّسها في وضع خطط الطوارئ من خلال برامج محاكاة وتدريب مستمر طوال السنوات الماضية.

وكعادته في كل موقف صعب، كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، القائد الذي يتصدى للمسؤولية بكل أمانة وإخلاص، يصل الليل بالنهار، ويتابع كل شاردة وواردة، ويحرص على معرفة أدق التفاصيل، واضعاً نصب عينيه في المقام الأول صحة أبناء الإمارات داخل الدولة وخارجها، والمقيمين على أرض الدولة، من دون أن ينسى مدّ يد العون للدول الشقيقة والصديقة، فكان بحق ملهماً لنا جميعاً في هذه الأيام العصيبة.

إننا اليوم مدينون بلا شك لجميع الفرق التي تسهر على استمرار الحياة كما كانت عليه قبل أسابيع، وفي مقدمتهم الكوادر الطبية بمختلف مستوياتها، فها هم اليوم جنودنا المرابطون والصف الأول في حماية المجتمع، وكذلك الفرق التي تنفذ عملية التعقيم الوطني من عاملين ومتطوعين، إضافة إلى مجلس الإمارات للأمن الغذائي والفرق المنبثقة عنه والذين عملوا، ولا يزالون يعملون، على استمرارية سلاسل إمداد الغذاء في الدولة.

ونحن فخورون أيضاً بالوعي الذي أبداه كل أفراد المجتمع في ظل أزمة كورونا، سواء من حيث الامتثال لتعليمات الجهات الصحية والأمنية، والتي تهدف إلى الحد من انتشار المرض، والحفاظ على صحة المجتمع وسلامته.

كان الأمر الأول الذي فرضته الأزمة علينا في العمل هو "العمل عن بعد" حرصاً على الصحة العامة. ولكن، وبفضل الإمكانات التقنية الكبيرة التي تملكها جميع دوائر ومؤسسات الدولة، استطعنا التعامل مع هذا الواقع بسهولة ويسر، وأظن أن الجميع الآن يستفيد من الممارسات اليومية لفكرة "العمل عن بعد"، ويعطي ملاحظاته حولها من أجل تطويرها والارتقاء بها، والاستفادة منها بعد انتهاء الأزمة في وضع خطط العمل والتشغيل.

لقد كان التحدي صعباً على دولة الإمارات؛ لأن الناس دائماً ينظرون إليها على أنها تقدم الأفضل، ويرون فيها نموذجاً رائداً في التنمية المستدامة، والحمد لله أن دولتنا الغالية كانت، كعادتها، على قدر التحدي، وكسبت الرهان، فزاد ما أنجزته خلال الأسابيع الماضية من رصيدها وعزّز سمعتها الدولية، ولا نشك في أن القادم سيكون أجمل وأفضل بإذن الله.