العالم أمام عينة من كورونا (تعبيرية)
العالم أمام عينة من كورونا (تعبيرية)
الإثنين 6 أبريل 2020 / 19:59

هل نعرف حقاً شكل العالم بعد كورونا؟

كثيرون هم الذين سارعوا إلى تخيّل شكل العالم بعد انقشاع غيمة كورونا، ووضعوا سيناريوهات جديدة للعلاقات الدولية تفترض أفول وانهيار قوى عظمى، وصعود قوى جديدة كانت في السابق مرشحة لمنافسة الولايات المتحدة، لكنها لم تكن إطلاقاً مرشحة للسيطرة على العالم كله.

لا أحد يعرف إن كان العالم سيأخذ العبرة من كورونا بعد زواله، حين يزول، ويتجه إلى التركيز على سلامة البشر أكثر من الاهتمام بالاقتصاد وعوائد الصناعات القاتلة، أم أن القوى الكبرى ستصر على التمسك بسياساتها الكارثية

من السيناريوهات الافتراضية أيضاً تفكك الاتحاد الأوروبي ككتلة سياسية واقتصادية موحدة، وعودة الدول الفاعلة في هذا الاتحاد، إلى الانكفاء والتركيز على الداخل الوطني، واعتماد سياسات انغلاقية وحمائية كانت إلى أجل قريب غير ممكنة التطبيق.

حقيقة الأمر أن لا أحد يعرف الآن كيف سيكون شكل العالم بعد أيام، ناهيك عن أسابيع أو أشهر، وكل ما نشر من سيناريوهات افتراضية، هو توقعات تعبر عن هوى أصحابها وأمنياتهم، ولا تتكئ على حقائق أو استنتاجات منطقية مدعومة بوقائع مرئية، أو محسوسة.

ما غاب عن أصحاب هذه السيناريوهات أن الهيمنة الأمريكية على العالم كانت نتيجة لسقوط الاتحاد السوفياتي، وتفكك الكتلة الاشتراكية، ولم تكن إطلاقاً نتيجة لنجاح الأمريكيين في مقاومة الأوبئة، أو تطوير لقاحات لمقاومتها.

كما أن نشوء الاتحاد الأوروبي كان قراراً سياسياً، واقتصادياً، و أمنياً عبر عن رغبة الديمقراطيات العريقة في القارة العجوز، في لعب دور أكبر تأثيراً وفاعلية في السياسة الدولية، ولم يكن نتيجة لتوافق وزراء الصحة في هذه الدول على مشروع وقائي ضد الأوبئة والجوائح.

لكن السؤال الأهم الذي يمكن توجيهه إلى أصحاب هذه السيناريوهات الافتراضية، سواءً الخبراء الذين يكتبون في "فورين بوليسي" أو الضيوف الدائمون في قنوات التلفزيون الذين يفتون في كل شيء، هو سؤال يتعلق بكلمة "بعد".. هل يعرف هؤلا متى سيجيء هذا الـ "بعد"، ومتى سيزول الوباء من العالم، وما سيخلف من خسائر بشرية واقتصادية وحتى اجتماعية؟
في الواقع لا أحد يعرف متى سيزول الوباء ويرحل هذا الفيروس عن دنيانا ويتبخر في هواء كوكبنا المبتلى بهذه الكارثة.

وإن كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقول إنه يرى الضوء في آخر النفق، فإنه لم يقل لنا إذا كان هذا النفق قصيراً أم أن عينيه الزرقاوين تستطيعان الرؤية لمسافات بعيدة جداً، وتستطيعان رؤية نهاية النفق مهما كانت هذه النهاية بعيدة.

في كل الأحوال، يبدو السؤال عما نحن فيه أهم وأخطر كثيراً من السؤال عن شكل القادم من تحولات كونية. وهناك الكثير جداً من الأسئلة الواقعية المشروعة التي تحمل إجاباتها إدانة مستحقة للتكوينات السياسية الكبرى القائمة في زمن ما بعد الحرب الباردة.

من هذه الأسئلة مثلاً، لماذا سقط العالم الأول في هذا الاختبار الأخلاقي؟ وأين ذهبت القيم والشعارات التي صدعنا بها الغرب في العقود السابقة؟ وهل كانت شعارات حقوق الانسان حقيقة أم مجرد مادة للاستهلاك السياسي، والإعلامي؟

ومن هذه الأسئلة أيضاً، كيف يمكن لمنظومات الرعاية الصحية في الدول المتقدمة أن تنهار بشكل مريع في زمن الجائحة؟ ولماذا تعجز القطاعات الصحية والتعليمية عن الاستمرار وتضطر للتوقف الاجباري بينما تستمر المؤسسات العسكرية في برامجها القائمة على خلق الحروب المستدامة، وإطالة أمد الصراعات القائمة؟

أسئلة كثيرة تطرح الآن حول واقع العالم العاجز عن مواجهة فيروس، وأسئلة أكثر ينبغي طرحها حول المستقبل يتعلق أهمها بمستقبل الصحة، والتعليم، في العالم وأحقية برامج الرعاية الاجتماعية في الحصول على الاهتمام والموازنات الضخمة بدل الانفاق التسليحي والصناعات العسكرية.

لا أحد يعرف إذا كان العالم سيأخذ العبرة من كورونا بعد زواله، حين يزول، ويتجه إلى التركيز على سلامة البشر أكثر من الاهتمام بالاقتصاد وعوائد الصناعات القاتلة، أم أن القوى الكبرى ستصر على التمسك بسياساتها الكارثية.