مرضى ومسعفون في مركز لعلاج مصابين بكورونا (أرشيف)
مرضى ومسعفون في مركز لعلاج مصابين بكورونا (أرشيف)
الجمعة 10 أبريل 2020 / 19:36

انهزاميون على أسرّة المرض

"توفي والدي اليوم بعد أن خسر معركة استمرت 7 أعوام ضد السرطان"، أعلنت صديقتي في منشور حزين عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي.

لتكن جائحة كورونا –بانتشارها العالمي الواسع، وأرقامها العالية- فرصتنا لتنظيف فرشاة التلوين، والتوقّف عن رسم تلك الصورة البالية لمرضانا

وعوض أن تكون ردة فعلي الأولى هي أن أرغب في تطويقها بذراعي ومواساتها، أعترف بأني رغبت في أن أصرخ غضباً: "خطأ، خطأ، خطأ. لم تكن معركة، وهو لم يخسرها".

لطالما استفزتني وأثارت حنقي التعابير "الكليشيهية" المتكررة التي نتداولها عن المرض، ولو بحسن نية، وبغرض دعم المصابين.

فإننا أولاً نصور التشخيص مثل الحرب، وكأنما كان للمريض أي رأي أساساً في خوضها. ثم نصف المريض بـ "المحارب" و"المقاتل"، كيف لا ؟ ونحن حكمنا عليه بدخول ساحة الوغى؟ ولنتسق مع الصورة التي رسمناها سابقاً، فإنه عندما يودع المريض الدنيا، فإننا لا نخجل من وصف وفاته بـ "الخسارة"، وتشبيهها بالهزيمة.

وهذه لعمري إهانة لكل دمعة صبر، وكل قطرة دم، بذلها هؤلاء الأبطال على أسرة الإعياء.

وتذكّرت كراهيتي الشديدة لهذه التعابير الشائعة مع أزمة كورونا، التي باتت تحصد القتلى يومياً.

"أنا واثق أنه سيجتاز هذه المحنة"، صرّح دومينيك راب، وزير خارجية بريطانيا، والذي ينوب حالياً عن بوريس جونسون في رئاسة وزراء البلاد منذ تشخيص إصابة الأخير بكورونا "هناك أمرا أعرفه تمام المعرفة غن رئيس الوزراء، إنه رجل مقاتل".

بإمكاننا أن نتغنى دائماً بـ "قتالية" جونسون حينما نراه واقفاً أمام أعضاء البرلمان. وبإمكاننا المراهنة على قدرته على "تجاوز المحن" عند التحدث عن "بريكست"مثلاً.

لا ترى أنغاراد رودكين، أخصائية علم النفس السريري في جامعة ساوثهامبتون، ضيراً في اللجوء لمثل هذه المصطلحات ذات الطابع الحربي القتالي العنيف.

إنها تعترض فقط على استخدامها في الصورة الملحمية التي نصر على رسمها بين المريض ومرضه.

إن جميع تعابيرنا وتشبيهاتنا الشائعة، بدءاً من وصفنا للمريض بالمقاتل، ومروراً بتسميتنا للمرض بالمعركة، لا تُجدي نفعاً إلا حينما يكون المرء قادراً على التحكم بشكل مباشر في النتائج. وذلك لا ينطبق بطبيعة الحال على المرضى، أياً كان مرضهم العضوي أو النفسي، إذ يتركون مصائرهم في أيادي الطب، فلا هم يحملون السلاح بأنفسهم ليحققوا الشفاء، أو الانتصار، ولا هم يملكون خيار التخاذل أصلاً ليرضوا بالوفاة، أو الهزيمة.

فلك أن تتخيل الضغوط المهولة التي نضعها على عاتقهم منذ لحظة التشخيص!

بل توضح رودكين أن اللغة التي نستخدمها تشير بشكل مجحف وجارح إلى "مواطن الضعف لدى المرضى"، بينما تهمل تماماً مدى قوة العدو الذي يواجههم.

ولك أن تتخيّل أيضاً الرسائل المبطنة التي يستشفها المريض حينما ييأس من الشفاء، فهو سيعيد شريط عباراتنا الكليشيهية، وسيفهم منها أنه مقاتل فاشل كسول، لم يبلِ البلاء الحسن!

لتكن جائحة كورونا بانتشارها العالمي الواسع، وأرقامها العالية، فرصتنا لتنظيف فرشاة التلوين، والتوقف عن رسم تلك الصورة البالية لمرضانا.