الأحد 12 أبريل 2020 / 00:20

كورنا يغيّب رفعت الجادرجي.. عرّاب العمارة العراقية الحديثة

توفي عرّاب العمارة العراقية الحديثة رفعت الجادرجي مساء الجمعة في المملكة المتحدة، عن 93 عاماً بعد إصابته بوباء كوفيد-19، بحسب ما أعلن أصدقاؤه ومسؤولون عراقيون.

واشتهر المعماري والمصور الجادرجي بتصميم بعض المباني الأكثر شهرة في العراق، بما في ذلك المشاركة في تصميم "نصب الحرية" العريق الذي صار رمزاً في وسط العاصمة وسمّيت ساحته باسمه، وصارت مركزا للاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة.

وقالت الباحثة الفرنسية في فن العمارة الحديثة في العراق، سيسيليا بييري، والتي عرفت الجادرجي، إنه "كان أحد عمالقة العراق في القرن العشرين".

ونعى كبار المسؤولين العراقيين، بمن فيهم رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، الجادرجي السبت.

وقال صالح في تغريدة على تويتر إنه "بوفاته يفقد فن العمارة في العراق والعالم رئته الحديثة التي تنفست حداثةً وجمالاً".

ومن بين أعماله نصب الجندي المجهول الذي تعود فكرة إقامته إلى العام 1958 عندما كلف الجادرجي بإقامة نصبين، وهما "نصب الحرية" الذي نفذه الراحل جواد سليم، والثاني "نصب الجندي المجهول" الذي كان يعد من معالم العاصمة حتى إزالته في العام 1982 من "ساحة الفردوس"، ليقام مكانه تمثال لصدام حسين الذي أزاله الأميركيون عندما غزوا العراق في 2003.

وولد رفعت الجادرجي في بغداد عام 1926 لاسرة عراقية عريقة حيث عرف والده كامل الجاردجي واحداً من اشهر الصحافيين في ثلاثينيات القرن الماضي، وعمل في مكتب استشاري للعمارة أنشأه بعد عودته من انكلترا عام 1951 وتابع فيه عمله حتى عام 1977.

واستفاد من عمله في منصب رئاسة قسم المباني في مديرية الأوقاف العامة، ثم مديراً عاماً في وزارة التخطيط في أواخر الخمسينيات، ورئيساً لهيئة التخطيط في وزارة الاسكان، في تطوير اهتماماته الهندسية بل أن يبلور أسلوباً معمارياً عرف به.

وانصب اهتمام الجادرجي على ايجاد اسلوب مناسب لعمارة عربية ممزوجة بالتراث، مستفيداً في الوقت نفسه من اأسلوب العمارة الحديثة مثلما تظهر المباني التي قام بتصميمها.

أكمل الجادرجي دراسته في مدرسة "هامر سميث للحرف والفنون" البريطانية وواجه بعد عودته الى بغداد تحديا مع تقاليد المجتمع البغدادي القديم عندما كانت مثل هذه الحرف تعدّ بأنها لا تخرج عن اطار حرفة البناء او "المعمرجي".

وأولى اهتماماً استثنائياً للمواقع المعمارية للمباني التي صممها في شارع الرشيد التي اعتمد فيها على "الشناشيل" أو النوافذ الخشبية المزركشة، والتيجان والأقواس الظاهرة في المباني المطلة على الشارع والمقرنصات الحديدية والخشبية البارزة من تلك المباني التي اندثر بعض منها بسبب التحديث، وبقي البعض الآخر وهو قليل جداً محافظاً على شكله.

كما حصل الجادرجي الذي شارك في معارض عالمية عديدة اهتمت بمسابقات التصاميم على جائزة لمشاركته في تقديم نماذج لمبنى البرلمان الكويتي.

اعتقل الجادرجي عام 1977 وبقي في سجن أبي غريب لمدة 20 شهراً، قبل ان يطلق سراحه بطريقة مؤثرة، فعندما كان العراق يستعد لاستضافة مؤتمر عدم الانحياز طلب رئيس النظام السابق صدام حينها مقابلة أشهر المعماريين، لتكليفه باعادة التنظيم العمراني لبعض الأماكن في بغداد.

وأخبر صدام حسين بوجود أشهر المعماريين في السجن فأمر باطلاق سراح الجادرجي ليتفرغ للمهمة.

وغادر الجادرجي في ثمانينيات القرن الماضي إلى بيروت، خلال حربي الخليج الأولى والثانية، وثم الحصار والغزو الأميركي في العام 2003، وبعدما عاد إلى العراق في العام 2009، صدم بما رآه.

وقال حينها "لا أصدق ما الذي جرى. لقد تحول كل شيء إلى خراب تقريباً، لقد تعرض العراق لغزوات ولم يستقر منذ فترات طويلة وهذا ما ينعكس باستمرار على التفاصيل الحياتية والعمرانية".

أنجز الجادرجي عشرات المشاريع في العاصمة بغداد، بما في ذلك مبنى دائرة البريد والاتصالات في منطقة السنك في قلب العاصمة التي تقع على ضفة نهر دجلة من جانب الرصافة، وكذلك مبنى اتحاد الصناعات العراقي.

وللجادرجي مؤلفات في العمارة أبرزها "الاخيضر والقصر البلوري" و"شارع طه وهامر سميث" و"حوار في بنيوية الفن والعمارة" و"جدار بين ظلمتين"، الذي أرخ فيه للشهور العشرين التي أمضاها في سجن أبو غريب.