من الحرب الأهلية في لبنان.(أرشيف)
من الحرب الأهلية في لبنان.(أرشيف)
الإثنين 13 أبريل 2020 / 21:23

لبنان اليوم

بقيت الحرب، حتى بالسلاح. والسلاح الباقي عيّن مواقع القوى وغدا بين المحركات الخفية للسياسات والتحالفات السياسية وعلاقات الطوائف

ماذا يحدث للبنان اليوم بالقياس لما كان عليه الوضع اللبناني منذ الاستقلال الأول؟. لبنان الأول كان ولاية أو جزءاً من ولاية عثمانية تتصل أحياناً بسوريا وأحياناً بفلسطين، حين كانتا هما أيضاً جزءاً من الامبراطورية العثمانية. لبنان الأول الذي حمل هذا الاسم، لم يكن سوى مقاطعة فيه هي «جبل لبنان» وجبل لبنان الذي تمتع بدرجة من الانعزال والاستقلالية. أفضى به هذا الى صراعات داخلية بين أهله، وبخاصة بين مسيحييه الأقرب الى الفلاحة، ودروزه الذين كانوا، في تراصهم وتكتلهم أقرب الى جيش ضمني.

كان هناك بالطبع صراعات داخل الطائفة الواحدة، بين أقطابها وعائلاتها. لم تكن الدول الغربية بعيدة عن هذه الصراعات. ساند الانكليز الدروز في مواجهة التبني الفرنسي للمسيحيين، هذه التحالفات كانت ايضاً ذات نهايات اجتماعية وثقافية، والأرجح أن تمثّل المسيحيين للنمط الغربي أدى، بدرجة خاصة، إلى تميّزهم لا في لبنان وحده ولكن في المنطقة كلها. وهكذا، رغم خسائرهم العسكرية، استطاع المسيحيون أن يجعلوا من لبنانهم نموذجاً خاصاً، بحيث أنهم شكلوا، بصورة أساسية، ما دعي في ما بعد، الخصوصية اللبنانية التي تمثلت، بالدرجة الأولى، بالتعدد والديمقراطية والتلقي الغربي.

هكذا كان لبنان، منذ خروجه من البوتقة العثمانية والتحاقه بالغرب، منفرداً في السياسة والثقافة والاجتماع. كان لبنان هكذا هبة المسيحيين الذين استقطبوا، أكثر فأكثر، البقية الى نموذجهم الخاص المتغرّب، بحيث امتد هذا النموذج على كل المجتمع اللبناني وبحيث غلب على البلد بكامله. لكن هذه العملية تمت بقدر من المشقة إذ بقي البلد متنازعاً بين طوائفه، متنازعاً بين الغرب والشرق، بين الجوار العربي الإسلامي والتطلع إلى أوروبا وأمريكا بعدها. هذا التنازع تمثل في حربين أهليتين. الأولى قامت 1958 وانتهت بصلح وبتجديد للدولة والعقد اللبناني بمفهومهما وموقعهما. أما الثانية التي قامت في السبعينات فلا تزال الى اليوم، تجري، مستعرة أول الأمر وتحت الرماد بعد ذلك، بالسلاح أولاً وبالسياسة ثانياً وثالثاً. خلال ذلك كانت الدولة تتفسخ وتتحول إلى دويلات، لكل منها مواقعه في الدولة الأم التي يجري تناهبها على نحو منتظم، الأمر الذي أدى في نهاية الأمر إلى إفلاسها. الانهيار نفسه تمدد من الدولة إلى المرافق كلها. هكذا تداعى الاقتصاد وتداعت السياسة وتداعى المجتمع بكامله وبكل طوائفه.

بقيت الحرب، حتى بالسلاح. والسلاح الباقي عيّن مواقع القوى وغدا بين المحركات الخفية للسياسات والتحالفات السياسية وعلاقات الطوائف. غطى هذا على الوضع بكامله وموّهه وجعله، أكثر ما يكون، في جانبه المستور أو المعمّى عليه أو المقنع باسم طائفي أو شعار عابر للطوائف. هكذا وجدنا حزب الله الذي لم يكن له حضور إلا في نهاية الحرب الأهلية، يرث هذه الحرب بكل ما فيها ويبقى الوحيد الذي يرفع سلاحاً، أو يدل بسلاح. أما أن هذا السلاح جزء من التمدد الإيراني في المنطقة، فهو أمر لا ينكره الحزب بل يسميه ويعلنه، لكنه يجعل منه قاعدة لحرب مع الدولة الصهيونية هي، آخر الأمر داخلة في أساس الوطنية العربية كشعار من يافطات حركة التحرر العربي. السلاح في حوزة حزب الله يتفوق على سلاح الدولة وعلى الجيش الوطني. لا يقرّ الحزب بأنه أساس في الداخل لكنه هكذا ضمن علاقات القوى وموازينها في الوضع اللبناني. بل هو يتستر بعلاقات الطوائف وبالشعار الوطني لكي يبدو فوق الوضع وفوق علاقات الطوائف، ليبدو قوة فوق ميزان القوى وفوق الداخل اللبناني.

يعرف الجميع بالطبع أن الأمر ليس كذلك تماماً. أن القوة، مهما كان صاحبها وأياً كانت وجهتها، هي القوة. وتعمل، في الدخل، كقوة. بهذه الصورة تدخل إلى الدولة وإلى ميزان القوى وإلى علاقات الطوائف. تدخل كقوة، يعي الجميع، الطوائف والمؤسسات والمواقع، أنها كذلك ويرسمون على ذلك خططهم وعلاقاتهم. إنها القوة ووجودها، على هذا النحو، في نهاية الحرب هو نتيجة للحرب ذاتها. كما يعني أنها الطرف المنتصر في هذه الحرب، ووجودها يعني استمرار هذه الحرب، واستمرار علاقاتها، وإن بطريقة أخرى.