من شبكة اتصالات الجيل الخامس في بريطانيا.
من شبكة اتصالات الجيل الخامس في بريطانيا.
الجمعة 17 أبريل 2020 / 18:14

نيران في أبراج الاتصالات

بذريعة حمايتنا، وهي الذريعة التي لا تستند على أي أدلة علمية مقبولة، سيسعون بأعمالهم التخريبية الانتقامية إلى قطع الأوكسجين الذي يبقينا على قيد الحياة خلف الجدران: التواصل مع عالمنا

بينما تجلس حبيساً لمنزلك، متضجراً من انحسار حياتك الاجتماعية، وحانقاً من غياب روتينك المعتاد، تخيّل أن هناك من يحاول في هذه الأثناء أن يحرمك حتى من الرفاهية البسيطة لحمل هاتفك النقال، وفتح رابط هذا المقال كما قد فعلت قبل ثوانٍ معدودة؟
أجل! هذا ما يقترفه الدجالون خلال أزمة كورونا العالمية.

بداية، علينا الإقرار بأن نظريات المؤامرة ضد الـG5، أو تقنية الجيل الخامس للأنظمة اللاسلكية، وكونها ضارة بالكائنات الحية عموماً، ليست نظرية جديدة.

بل إن لها شيوعاً من قبل أزمة كورونا بين الفئات "إياها" التي ترفض تطعيم أطفالها ضد الحصبة، وتعتبر الاكتئاب مجرد خدعة من مصنعي "بروزاك" و "زاناكس". أعتقد أنكم عرفتموهم.

ففي 2018، تلقّف عشاق نظريات المؤامرة الحادثة المفاجئة لموت 300 من طائر الزرزور في مدينة لاهاي ليزعموا بتسبب أبراج الجيل الخامس في ذلك. لم تخطر على بالهم حقيقة الوفيات الجماعية للطيور من قبل اختراع التقنية أصلاً، بل ولم ينتبهوا إلى أن لاهاي كانت تخلو من أبراج الجيل الخامس آنذاك!

ثم شاهدوا حوادث قطع بعض الأشجار مع وفود أبراج الجيل الخامس إلى المدن، فأكدوا أن ذلك تم للتستر على قدرة التقنية على قتلها، بينما في الحقيقة تم قطع هذه الأشجار لإفساح المجال أمام الإشارات اللاسلكية. ربما كانت جريمة بيئية، ولكنها لم تُرتكب للتستر على أي فضيحة.
وفي 2019، ازدادت الأكاذيب حينما التقط عشاق نظرية المؤامرة صوراً لعامل يرتدي سترة واقية ضد المواد الخطرة فوق أحد أبراج الاتصالات، وادّعوا بأنه يحمي نفسه من المخاطر الخفية بالغة السرية لإشعاعات تقنية الجيل الخامس. ولم يطل الوقت حتى رُد عليهم، فالعامل كان يقوم بالتنظيف. أما البرج؟ فلتقنية الجيل الرابع لو كانوا يعلمون.

إننا لا نتعامل مع عدو جديد إذاً، ولو أن هذه النظريات اكتسبت زخماً عالمياً واضحاً حينما بدأ الدجالون في لوم الـG5 على انتشار كورونا.

ولكن الفارق يكمن في أن الترويج لهذه الأوهام خلال الأزمة العالمية الحالية بات يدفع الناس إلى إضرام النيران في أبراج الجيل الخامس، وذلك في حوادث متكررة شهدتها دول عدة، آخرها هولندا!

أي في وقت ننعزل فيه عن بعضنا مخافة الموت، ونركن خلاله كلية إلى الدراسة والعمل والاختلاط بالآخرين عن بعد، بات هناك من يحاول تجريدنا من نعمة التواصل، ويهدد بتحويل بيوتنا التي نتحصن بداخلها إلى جزر متناثرة في قلب المحيط.

أي بذريعة حمايتنا، وهي الذريعة التي لا تستند على أي أدلة علمية مقبولة، سيسعون بأعمالهم التخريبية الانتقامية إلى قطع الأوكسجين الذي يبقينا على قيد الحياة خلف الجدران: التواصل مع عالمنا.

لكم أن تحترموا نظريات المؤامرة، وأن تعتبروها تنضوي تحت حرية الفكر والتعبير. ولي أن أعتقد بأنها تمادت حتى باتت تضرم النيران –مجازياً وحرفياً- في منجزات العلم والحضارة.