تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الأحد 19 أبريل 2020 / 19:47

في زمن الجدّ

الطب وأهله هم حراس الصحة، ونجوم المجتمع الذي انحسرت عنهم الأضواء في زمن البهرجة والسخافة، وحين جد الجد، رأينا تلك النجوم تخبو وتحترق وتأكل نفسها، ويظهر الأطباء ليكونوا خط الدفاع الأول عن البشرية

كما كان الحب غريباً وفريداً في زمن الكوليرا، فإن الحياة تحوي غرائب أكثر وأكثر. لن أستعير عنوان العمل الأدبي الخالد، فأنا مقتنع أن هذا ليس بزمن الكورونا. إنما هو زمن العلم. تسمى الأزمنة بأسماء المنتصرين، فهم بجدهم واجتهادهم يملكون مدى الأزمنة ويرسمون حدود الأمكنة. والإنسان الجاد يصارع ويناضل ويبذل للانتصار، يبذل للحياة. وبين صفوف الجادين المناضلين يظهر بعض المهرجين. هكذا هي الحياة.

الأنظار متجهة إلى الطب، فبحسب الرؤية الفلسفية العميقة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشآل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، فإن العالم "بقي لسنوات يتجادل. من يقود الآخر هل تقود السياسة الاقتصاد؟ أم الاقتصاد يقود السياسة؟ من العربة ومن الحصان؟ واكتشفنا في زمن الكورونا أن الحصان وعربته تحملهما الصحة وتقودهما مرغمين حيث تريد.. وأن السياسة والاقتصاد يتقزمان أمام فيروس يجعل دهاة العالم في حيرة وخوف وتيه".

والطب وأهله هم حراس الصحة، ونجوم المجتمع الذي انحسرت عنهم الأضواء في زمن البهرجة والسخافة، وحين جد الجد، رأينا تلك النجوم تخبو وتحترق وتأكل نفسها، ويظهر الأطباء ليكونوا خط الدفاع الأول عن البشرية.

في زمن الجد لم يعد هناك مكان لأفكار تخرج من رؤوس فارغة، وكلمات تنطق بها ألسنة متحذلقة، ففي زمن الجد يبقى النافع والمثمر. ويضمحل التافه السقيم.

الجد في الحياة لا يلغي أي معنى جميل، رغم القسوة ستبقى المحبة، ورغم البعد سيبقى الشوق، ورغم الألم سيبقى الأمل والابتسامة والفرح، ورغم السوداوية ستبقى الروح الإنسانية إيجابية.

 لكن كل هذه المعاني الجميلة بحاجة إلى ترشيد قيمي، وفهم لواقع الحياة، وإلا فإنها ستكون قيماً خارجة عن منظومة قيم المجتمع. فالحب الحقيقي هو ما يظهر فعلاً وصدقاً في هذه الأيام، وأي امتهان للحب ومظاهره سيكون بلاهة، والابتسامة الصادقة هي ما تحيي القلوب وتمدها بالأمل، وأي استثمار للواقع والعجز والحجر والممارسات الأسرية في تهريج سخيف سوف يكون المجتمع واعياً له. والإيجابية أن نفكر في تطوير الحياة، والنظر إلى مستقبل مشرق للبشرية ليس انتظار العاجز، بل بذل المجتهد، كل في مجاله واختصاصه.

البشرية بتظافرها وعطائها قادرة على أن تعطي لهذا الزمن اسماً ورسماً. البشرية جميعها، البشرية الجادة في زمن الجد.