رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وخصمه السياسي بيني غانتس (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وخصمه السياسي بيني غانتس (أرشيف)
الخميس 23 أبريل 2020 / 20:15

بين قصر النظر وسوء النية

يمكن اعتبار فكرة التناوب على مقعد رئيس الوزراء بعد 18 شهراً، وتحديد موعد لنزول "نتانياهو" وزحزحته درجة عن الموقع إنجازه الوحيد، وهو انجاز تكتنفه شكوك كثيرة وواقعية

وقع غانتس أخيرا اتفاقية "حكومة طوارئ" مع نتانياهو، زحف طويلاً للحصول على أي شيء يمكن إبرازه للمحتجين في تل أبيب، وللصحافة والإعلام ورفاقه الذين تركهم وتسلل إلى المعسكر الآخر، أي شيء يمكن أن يحول "الخيانة" إلى برنامج عمل، ومشهد الجنرال الزاحف على ركبتيه إلى "مناورة"، وبينما كان يزحف كانت ذخائره، وأحزمته، ومطرة الماء وجهاز الإرسال وأوسمته تتساقط، فيما كان "الثعلب الفاسد" يمدد مسافة الزحف ويضيف حواجز في المنعطفات وحفراً مسممة، ويزرع ألغاماً وقنابل موقوتة في كل الزوايا.

بخبرة ثعلب وذعر لص،  قاده ناتنياهو حتى بعد الحافة بقليل، لتلك النقطة التي لم يعد بامكانه العودة إلى معسكره منها، هناك بالضبط وضع الملف وإشارة توقيعه على الاتفاق.

حكومة الطوارئ هي الحيلة التي توصل لها المتفاوضان في التفاف لغوي على "حكومة الوحدة الوطنية" التي رفعها نتانياهو، و"حكومة وحدة دون نتانياهو" التي لوح بها غانتس
والتي جرى تمريرها بين قوسي تفشي كورونا و"تجنب جولة انتخابات رابعة".

ورغم ذلك يمكن اعتبار فكرة التناوب على مقعد رئيس الوزراء بعد 18 شهراً، وتحديد موعد لنزول نتانياهو وزحزحته درجة عن الموقع إنجازه الوحيد، وهو انجاز تكتنفه شكوك كثيرة وواقعية.

يمكن رصد الكثير من المآسي والصراخ الذي اندلع في إثر توقيع "الاتفاق"، اتفاق لم يكن مستبعداً على أي حال، سيصرخون في تحالف "أزرق أبيض" الذي فككه غانتس في واحدة من أكثر التحولات انتهازية في المشهد السياسي في اسرائيل، اليسار الصهيوني الذي منح غانتس دور المنقذ لكل شيء بعد أن فشل، اليسار، في كل شيء تقريباً، وتآكلت أفكاره ومبادئه في ظاهرة تثير الخجل وصلت حد الموافقة على الالتحاق بملاحق الاتفاق، كما حدث مع حزب العمل، أفيغدور ليبرمان وحزبه من المهاجرين الروس الذي استمتع عبر جولتين انتخابيتين بدور "البيضة"، "بيضة" تعذب المتدينين وتقرر مصير نتانياهو السياسي والشخصي، وسيبهت ما يقارب مليون ونصف ناخب، يشكلون الأغلبية البسيطة التي صوتت في ثلاث جولات متتالية ضد حكم نتانياهو واليمين المتطرف بشقيه الديني والقومي.

بعض الصراخ، كما جرت العادة، يمكن سماعه في المجتمع الفلسطيني أيضاً، أصوات تأتي غالباً من أقلية رافضة لفكرة مشاركة الفسطينيين في مناطق الـ 48 في النظام الانتخابي الإسرائيلي، الحركة الإسلامية في الشمال، النسخة الأمينة لجماعة الإخوان المسلمين في الداخل بقيادة الشيخ رائد صلاح، إضافة الى بعض الأصوات القومية المتبقية، أصوات قادت حملة حقيقية لمقاطعة الانتخابات البرلمانية وتسببت ببعض الضرر للقائمة المشتركة، ما حرم القائمة من مقعد إلى مقعدين في الكنيست كانت لتحدث فرقاً في التمثيل العربي وفعاليته.
  
تحاول هذه الأصوات الآن تحميل "القائمة العربية المشتركة" مسؤولية خيانة غانتس.
سيبدو مثل هذا الاتهام، بعد المكتسبات التي حققتها القائمة من توحيد الصوت الفلسطيني وتحريره من أوهام الأحزاب الصهيونية، واختراق الصوت اليهودي، وتعزيز الثقة بالذات والقيادة وخطابها وانفتاحها على النقد والرأي المعارض، وبناء برنامج متكامل يخدم مصالح الأقلية الفلسطينية المعيشية وحقوقها، وينطلق من واقعها وهمومها اليومية، والتحديات التي يواجهها ما يقارب المليونين من الفلسطينيين من البطالة الى انتشار السلاح والجريمة المنظمة، وتفشي المخدرات وقضايا التعليم والقوانين العنصرية، وهدم البيوت وتهجير القرى في النقب، سيبدو هذا الصراخ المتكئ على "ألم نقل لكم.."، في أفضل تجلياته، نوعاً من قصر النظر، واليأس، وسوء النية في مستوى آخر.