حقل توليب  (أرشيف)
حقل توليب (أرشيف)
الجمعة 24 أبريل 2020 / 21:17

فداءً للتوليب

هل تعلم أن موسم تفتّح أزهار شجرة الكرز وحدها، والمعروفة بـ "ساكورا"، تحفز سفر 63 مليون شخص إلى اليابان وفي داخل أنحائها، لينفقوا ما لا يقل عن 2.7 مليار دولار؟

حينما خالف 400 شخص قوانين الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي لكي يتمشّوا بين الأزهار، ويشاهدوا تفتحها، فإن تشيبا أدركت تكبّدها لخسائرٍ أكبر من تلك المادية

إنه رقم مخيف، ويعطي لمحةً عن الخسائر المالية التي تكبدتها محافظة تشيبا اليابانية حينما ألغت المهرجان السنوي المرتقب لتفتّح أزهار التوليب.

ولكن حينما خالف 400 شخص قوانين الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي ليتمشوا بين الأزهار، ويشاهدوا تفتحها، فإن تشيبا أدركت تكبّدهالخسائرٍ أكبر من تلك المادية: فلقد وضعت – سامحها الله- رهانها الفاشل على الوعي المجتمعي.

أعرف تماماً الأسئلة البلاغية التي دارت في رؤوس هؤلاء اليابانيين، ولا أحتاج لترجمتها حتى، فهي لغةٌ عالميةٌ نتحدثها جميعاً: "وماذا يعني لو ذهبنا لمرة يتيمة؟ لم لا؟ ما أسوأ ما قد يحدث؟ ومن سوانا سيفكّر في الحضور هناك؟ وما هو الاحتمال المعدوم لتعرّضنا للمرض؟".

نعتقد دائماً أننا الاستثناء، أننا حالةٌ خاصةٌ فريدة من نوعها في وسط المجتمع الموبوء. إننا وحدنا من يملك الأعذار المقنعة للخروج وممارسة أنشطته المعتادة، ونحن وحدنا الأشد حرصاً والأذكى والأقدر على تفادي الفيروس.

إننا نختلف كلياً عن مئات الحالات التي تُشخّص بصورةٍ يوميةٍ، وهم الذين اعتقدوا بدورهم أنهم يختلفون عن مئات الحالات التي شُخّصت في الأيام السابقة، وهلم جراً.

أرى الخطط لإعادة سير الحياة الطبيعية إلى الإمارات، لا سيما إلى دبي، وكل ما أخشاه هو أن ينتهي بنا المطاف مثل تشيبا.

فحينما أدركت المحافظة اليابانية أن الناس سيجدون طريقهم دائماً إلى جعل أنفسهم الاستثناء، لم تجد بداً من قطع رؤوس 800 ألف زهرة توليب جميلة، وتشوّه حقولها الخضراء، فتقطع الطريق ولو بأصعب الوسائل، أمام حججهم وأعذارهم!

للتوضيح، لا يساورني الشك في تطبيق موظفي الأمن والمفتشين للتدابير الاحترازية الصارمة التي وُضعت لإعادة دبيب عجلة الاقتصاد إلى الأسواق والمراكز التجارية.

إنما الخوف يكمن في السماح بالزيارات بين الأقارب، وإعطاء الضوء الأخضر لممارسة الرياضة الخارجية، وما شابه ذلك. إننا نترك روتين الحياة الطبيعي متفتحاً مثل الزهرة في كامل روعتها وعنفوانها أمام الناس، وهم الذين أثبتوا رسوبهم من قبل، في رهان الوعي.

فمن سيضمن الالتزام بعدم زيارة المرضى وكبار السن؟ "ما عليهم شر إن شاء الله"، سيقول الاستثنائيون.

وفي ظل المجاملات الاجتماعية، من سيُبعد غير الأقارب من ذوي الدرجة الأولى والثانية؟ بل من سيجرؤ على عدم دعوتهم؟ لا بأس، كلنا أهل. ثم إننا الاستثناء.

وصحيح أن التوصيات حددت وجود 5 أقاربٍ كحدٍ أقصى، ولكن ما الضير من تراص صفوف "الاستثنائيين" لصلاة التراويح وقراءة القرآن؟

بصراحة؟ حتى أنا بت أعتقد أني الاستثناء.

عموماً، آمل أن أكون مخطئةً ومفرطةً في تشاؤمي، فسيعز علي أن يمر علينا ربيعٌ ثان دون أن نخلع كماماتنا، ونستنشق شذا الزهور.