السبت 25 أبريل 2020 / 19:54

طفيلي

هذا موضوع سَوّفت الكتابة فيه طويلاً حين انشغلنا بما شغل العالم. واليوم وقد استقر موضوعنا مع فيروس كورونا على ما استقر عليه، فسنعود إلى موضوعاتنا، رغم أن موضوع اليوم لديه وشائج قربى مع كورونا لا تخفى على الحصيف.

كلمة طُفيليّ تشير إلى مفرد، جمعه طفيليّون، وطفيليّات لغير العاقل. وفي الأدب العربي قرأنا قصص "طفيل" وهو رجل من قبيلة غطفان من أهل الكوفة كان يذهب إلى المجالس والولائم من غير أن يُدعى إليها، ويُعكّر صفو الحاضرين. ثم تطوّر هذا المصطلح فصار يشمل من يتدخل في شئون الغير. ومع تطور العلم احتاج المترجمون العرب لهذه المفردة لكي يصفوا الكائن الحيّ الذي يعيش مُتطفلاً في داخل كائن حيّ مُضيف، يستمدّ غذاءَه منه ويُلحق كل ضرر به. ونقل المترجمون العرب هذا المصطلح الذي تطوّر وتوسع من جديد ليدخل في عالم الطبيعة وأصبحنا نقول حشرات طفيليّة وداء طفيليّ، أي مرض ناتج عن وجود الطفيليات بأعداد كبيرة. وتطوّر أخرى فصرنا نقول علم الطفيليات.

اليوم، نحن نشهد ضرورة علمية ملحّة، تدعو لتطوّر وتوسع المصطلح، ليشمل الداعية محمد بن عبد المجيد الزنداني الذي غرد مع بداية أزمة كورونا بأنه استجاب لرجاء بعض حوارييه وقام باكتشاف مصل سيقضي على فيروس كورونا. هذا الشبل من ذاك الأسد، فهو ابن الداعية عبد المجيد الزنداني الذي اكتشف علاج الأيدز منذ عقود، رغم أن الأيدز لا زال موجوداً، كيف اكتشف علاجه ولا زال موجوداً؟ لا تسل.

الزنداني الكبير ورجل آخر اسمه زعلول النجار قد مارسا الطفيلية قبل الشبل محمد بعقود، فهما من كرّس مفهوم الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. ما قصة الإعجاز العلمي وما علاقتها بالطفيلية؟ في كل عام تُمنح جائزة نوبل لعدد من التخصصات تتضمن الكيمياء والفيزياء والطب وعلم وظائف الأعضاء، ويتنافس العلماء من كل العالم في هذه المجالات ببحوث علمية يتقدمون بها لإدارة الجائزة في الوقت المحدد. العالِم من هؤلاء قد يقضي عمره كله في بحث مسألة محددة، قد تستمر فترة كتابته لبحث واحد، عشرين سنة أو ثلاثين سنة، حين يجد ما ينفع البشرية أو يصل لحل جديد حقيقي لمشكلة علمية قائمة، أو حينما يردم فجوة في نظرية علمية سابقة. هل تخيلتم حجم التعب الذي يبذله العالِم الحقيقي الذي ليس بطفيلي؟ يهب حياته كلها للدراسة.

بعد هذا الجهد الجبار الذي ذهبت في سبيله الأعمار، يأتي دور الطفيلي. بكل برود وامتهان لجهد الناس، يأتي ويقول إن هذا العالِم لم يأت بجديد، بل كل بحثه الذي قضى فيه عمره، موجود في القرآن الكريم. ما دام أنه موجود في القرآن لماذا لم يتقدم هو به ويسبق به العلماء الغربيين والشرقيين؟! لا تسل.

ثم تنظر في دعواه، وقوله إن ذلك الاكتشاف الجديد موجود في القرآن الكريم، فلا تجد أي رابط، مجرد تشابه لفظي بعيد. بكل أمانة بعد تتبع، وجدتهم يلتقطون تشابها في كلمة، ولا تجد في القرآن كل تلك التفاصيل المذكورة في البحث.

دعوني أضرب مثالاً يوضح الصورة ويبين كيف أن هؤلاء القوم لا يفقهون في العلم ولا في الدين. بعينيّ رأيتُ وبأذني سمعتُ، من خلال شاشة التلفزيون، زعلول النجار يستشهد بالآيات الكريمة من سورة النمل {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون}. استشهد بها على موضوع نسبية الحركة، وانطلق يحتج بما ورد في كتب علمية حديثة تثبت أن الجبال ليست جامدة بل متحركة. ثم تابع زعلول النجار عدد من الناس تبنوا رأيه وفرحوا به وزادوا عليه وبزوه. الفضيحة ليست هنا، وإنما في أن القرآن الكريم لم يقل ما قوّلوه إياه كلهم. ومن قرأ سياق وسباق الآيات وكلام المفسرين الأوائل، فسيجد أن الآيات لا تتكلم عن الجبال في حال دنيانا هذه، وإنما تتحدث عن حال الجبال عندما تقوم القيامة وينتهي العالم.

هؤلاء الطفيليون لم يخدموا العلم، كما أنهم لم يخدموا الدين، بل إن صنيعهم هذا هو أكبر ما يضر بالكتب السماوية. الدين ثابت والعلم متغير فكيف نربط بينهما ونجعل مصير هذا مرتبط بذاك. فيلسوف العلم كارل بوبر، في خضم النزاع في تعريف العلم وتمييزه عما ليس بعلم، قرر أن النظرية العلمية هي التي تكون قابلة للتكذيب.

وهذا معناه أن العلم سيظل يصحح نفسه للأبد، وسيبقى يخطئ نفسه للأبد ويُعدّل نفسه ولا حرج عليه. لذلك يجب أن يبقى الدين بعيداً عن العلم ونظرياته، مثلما أن التعاطي مع جائحة كورونا يجب أن يُترك للعلماء الحقيقيين والأطباء، ويجب أن يُبقى بعيداً كل البعد عن تناول الطفيليين والدراويش.