رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الأحد 26 أبريل 2020 / 20:48

حكومة نتانياهو الخامسة...!

في لحظة اختلاط الشخصي بالعام، وما ينجم عن سطوة الأيديولوجيا من عمى البصر والبصيرة بالمعنى السياسي، ما يرشّح حكومة نتانياهو الخامسة لتكون الأكثر خطورة في تاريخ الدولة الإسرائيلية

 إذا افترضنا، نظرياً، أن المحكمة العليا الإسرائيلية لن تعترض على صلاحية نتانياهو لتشكيل الحكومة، ولم تعثر في اتفاقه مع بيني غانتس على ما يمثل انتهاكاً للقانون الأساسي، الذي يقوم مقام الدستور في إسرائيل، فهذا يعني أن إسرائيل لن تذهب إلى جولة انتخابية رابعة، وأن المذكور خرج من دائرة الخطر.

ويبدو من تفاصيل اتفاقه مع غانتس، وما تبقى من تحالف أبيض ـ أزرق، أن نتانياهو أخرج نفسه من دائرة الخطر بضمانات يصعب التقليل من شأنها. فعقد الشراكة لتأليف حكومة "طوارئ وطنية"، في زمن الجائحة، يمنحه الحق في تشكيل حكومة للمرة الخامسة، والبقاء في النصف الأوّل لولايتها، التي تمتد لفترة ثلاث سنوات، رئيساً للوزراء، ونائباً لرئيس الوزراء في النصف الثاني. وفي الحالتين، وهذا ما نال اهتماماً واسعاً في وسائل الإعلام الإسرائيلية، سيحتفظ بامتيازات رئيس للوزراء، بما فيها المخصصات، والمنافع، ومقرات الإقامة الرسمية.

وهذه المهلة الزمنية في سدة الحكم، ما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة، تبدو كافية للمضي في مشروع ضم أجزاء واسعة من أراضي الضفة الغربية، بما فيها غور الأردن، إلى إسرائيل، ومحاولة الإفلات من التبعات القانونية، وربما السجن، في حال إدانته في ثلاث قضايا تتعلّق بالفساد وخيانة الأمانة في أروقة القضاء الإسرائيلي.

واللافت في اتفاقه مع غانتس أن الاتفاق يمنحه الحق في الموافقة، أو الاعتراض، على تعيين القضاة، والمدعي العام، وقائد الشرطة. وهذا يعني مباشرة، ومداورة، وضع هؤلاء في دائرة نفوذه المباشر، وتمكينه من التأثير على طريقة تعاملهم مع ورطته مع القانون والجهات الموكلة بتطبيقه.

وفي السياق نفسه، يمنحه الاتفاق إمكانية الحصول على تشريع يسمح لرئيس وزراء بالبقاء في سدة الحكم في حال محاكمته، وطالما لم يصدر عليه حكم بالإدانة. والمعلوم أن الحكم في هذا النوع من القضايا قد يستغرق سنوات طويلة. والأهم من هذا أن في حصوله على دعم لتشريعات بهذا الخصوص، في البرلمان، ما يُضفي على اتهامات سبق ووجهها للقضاء، والشرطة، بمحاولة التآمر عليه لأسباب سياسية، فعالية أكبر.

والواقع أن موافقة غانتس على شروط كهذه لا تبدو في نظر الكثيرين من مراقبي المشهد السياسي، في إسرائيل، كاستسلام كامل لإرادة نتانياهو وحسب، ولكن كدليل دامغ على تردي الكفاءة السياسية والأخلاقية، أيضاً. فقد تصرّف، من ناحية عملية، بدلاً من العمل كزعيم للمعارضة يسعى لإخراج نتانياهو من سدة الحكم، كطوق لنجاته.

وفي التشكيل المقترح للحكومة الخامسة، وهي الأكبر من حيث عدد الوزراء، ونوابهم، في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، ما ينم عن حرص على مصالح ومنافع شخصية له ولأنصاره في البرلمان، وقد نالوا كلهم مناصب وزراية، على حساب المصلحة العامة.

على أي حال، وبصرف النظر عن ملابسات الاتفاق، ينبغي القول إنه يحظى بتأييد غالبية الإسرائيليين، الذين لا يريدون الذهاب إلى جولة انتخابية رابعة، وغير مضمونة النتائج، خاصة في زمن وباء الكورونا المُستجد. وهذا التأييد لا ينم عن قناعات خاصة بنزاهة الاتفاق نفسه، ولا تجرّد الموقعين عليه من الأنانية والمصالح الشخصية، بل عن هيمنة أيديولوجيا اليمين القومي ـ الديني على الحقل السياسي في إسرائيل، ونجاحها في إعادة تعريف وصياغة وبلورة قيم سياسية جديدة لا يبدو فيها اختلاط المصلحة الشخصية بالعامة خروجاً على معايير أخلاقية سائدة. وهذا ما يوصف، عادة، بأمركة السياسة الإسرائيلية، وما اقترن بصعود نتانياهو في المشهد السياسي الإسرائيلي في أواسط تسعينيات القرن الماضي.

وعلى ضوء هذا كله، يبدو تبرير الاتفاق، وحكومة الطوارئ بذريعة التصدي للوباء، أقل قيمة بكثير من حقيقة أن الاتفاق يُخرج نتانياهو من ورطة عويصة، ويمد في عمره السياسي، ويرفع غانتس وأنصاره إلى صفوف النخبة الحاكمة، وفي الوقت نفسه يمكن نتانياهو من المضي في مشروع ضم مناطق شاسعة من الضفة الغربية، بما فيها غور الأردن، وإغلاق الباب بطريقة حاسمة ونهائية أمام احتمال قيام دولة فلسطينية، وفي المقابل فرض نظام الأبارتهايد على الفلسطينيين.

لهذا كله تداعيات خطيرة وبعيدة المدى بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين والشرق الأوسط بشكل عام. ولكن في لحظة اختلاط الشخصي بالعام، وما ينجم عن سطوة الأيديولوجيا من عمى البصر والبصيرة بالمعنى السياسي، ما يرشّح حكومة نتانياهو الخامسة لتكون الأكثر خطورة في تاريخ الدولة الإسرائيلية.