أسرة في الحجر الصحي.(أرشيف)
أسرة في الحجر الصحي.(أرشيف)
الأحد 26 أبريل 2020 / 20:58

نحن والبيوت

البيت أم برائحتها التي لا تنسى ولا تتكرر، البيت أب بحضنه الدافئ، وأخ بذراع تساند وتعاضد، وأخت كبرى بقلب أم، وصغرى بروح طفلة

لم أتضايق من البيت البتة، كيف لي أن أفعل وثمة منشور يرسله لك بعضهم، يذكرك بأناس لا بيت لهم!! ولم أتخذ من الالتزام الوطني والإنساني بالبقاء في البيت مدعاة للتسخط أو التضجر أو التندر، كيف لي أن أفعل وأنا أرى أن من يدعوني للبقاء في المنزل يتمنى سويعات يقضيها في بيته، ويتعذر عليه الحصول عليها لأنه خط الدفاع الأول!!

لم أنزعج من عدم الذهاب للعمل، فلي ست سنوات أعمل من البيت. غاية ما في الأمر أني بدأت أشعر أني غير متفرد بهذه الممارسة. لكن وجود أعضاء الأسرة الآخرين حولي وهم يدرسون ويعملون ويتواصلون جعلني أشعر أن العمل جزء من الحياة، فليس البيت للراحة فقط حتى يكون المخطط الهندسي متمحوراً على غرف النوم وغرف المعيشة، وهو كذلك ليس لاستقبال الزائرين فقط، ليكون المخطط متمحوراً على المجالس.

فالحياة مرتبطة بالعمل وبالاتصال بالعالم والتواصل مع الآخرين والتفاعل مع الحدث وأنت في بيتك.
المنزل ليس جدراناً وحوائط اسمنتية، أو أثاثاً وفرشاً، أو مرافق ومنافع. إنه روح. الصامتون في منازلهم يحيلونها قبوراً، والمختلفون الغاضبون الثائرون يحيلونها جحيماً. وليس هناك ما هو أسوأ من أن تختار بين القبر والجحيم. ولم تفعل ذلك في حين أنه من السهل عليك أن تختار الراحة بالحوار الهادئ والصفاء القلبي.

بعض الناس يرى أن البيت بقاطنيه وساكنيه. وهذا رأي صحيح، إذا لم يكن يقصد أجساد الساكنين والقاطنين فقط دون أرواحهم. فإن من يعطي للبيت مكانته وروحانيته هو روح أهله وليست أجسادهم، فتقارب الأجساد مع تنافر الأرواح ليس سكناً أبداً، وليس استقراراً أو طمأنينة.

لم تأخذ المقاهي ولا المحافل ولا النوادي دور المنزل، ولن تفعل، فالبيوت سكن وحياة. فمن منا لم يسمع قول المتنبي:
لك يا منازل في القلوب منازل أقفرت أنت وهن منك أواهل

البيت أم برائحتها التي لا تنسى ولا تتكرر، البيت أب بحضنه الدافئ، وأخ بذراع تساند وتعاضد، وأخت كبرى بقلب أم، وصغرى بروح طفلة. البيت هو عطر فواح لا تشمه حتى في محل العطور الذي يبيع العطر، البيت هو فضاء يضم أرواحا أخرى من غير البشر، شجرة تسقيها، وحيوان ترعاه. هذا لنعلم أن الحياة حياة الروح.

البيت قصيدة لا يدرك جمالها إلا من يتذوق الشعر، ورحم الله البطل عبدالقادر الجزائري حين قال:
الحسن يظهر في بيتين رونقه بيتٌ من الشعرِ أو بيتٌ من الشعَر