علم سوري يرفرف فوق دمشق.(أرشيف)
علم سوري يرفرف فوق دمشق.(أرشيف)
الإثنين 27 أبريل 2020 / 20:43

عن سوريا التي صمدت

لم تنته الحرب على سوريا حتى الآن، لكن ما يجري مجرد ردات فعل، وضربات انتقامية رداً على الهزيمة القاسية وتعبيراً عن احتقان رعاة مشروع الخراب بعد سقوط مشروعهم وتبديد حلمهم الآثم بانهيار الدولة وعرقنة سوريا

بعيداً عن الأهواء والاستنتاجات المزاجية، ورغم ما تبقى على الأرض السورية من بؤر صغيرة للإرهاب، يمكن القول إن سوريا الدولة والكيان صمدت، إن لم نقل انتصرت، في مواجهة الاستهداف الظلامي الذي تحالفت فيه كل القوى المرتبطة عضوياً بالمشروع الغربي التخريبي في المنطقة العربية.

ليس هذا كلاماً شعاراتياً، بل واقع يتجلى على الأرض السورية، مثلما هو ملموس في خيبة التحالف الدولي والإقليمي الذي خاض حرب السنوات التسع لضرب النموذج السوري.

تحت يافطة الربيع حشدت دول كبيرة وصغيرة، قريبة وبعيدة، جيوشاً من الإرهابيين القادمين من كل جهات الأرض، وفتحت خزائنها لتمويل الاجتياح الظلامي لأرض الشام، ودشنت "جهادها المقدس" ضد الدولة السورية بتحريك القوى الظلامية المحلية، قبل أن تستورد مجاميع المرتزقة الغرباء تحت غطاء داعش وجبهة النصرة وغيرهما من تسميات لفصائل الخراب، لتحقيق سيناريو إنهاء الدولة وتقسيم التراب السوري.

لم يتحقق الهدف، ولم يستطع أحد أن يزعم أن "المهمة أنجزت"، وظلت الدولة قائمة، واندحرت مجاميع الإرهاب لتُحشر في إدلب، وتتلقى نصيبها من الحصار والخنق، وقد انفض عنها الرعاة والممولون وأصحاب الفتاوى والوعود الكاذبة بجنة موهومة للقتلة.

صحيح أن السلام الكامل لم يحل حتى اللحظة في أرض الشام، وصحيح أيضا أن الدولة التي صمدت في مواجهة الاجتياح الظلامي الأكبر في التاريخ المعاصر، لم تستطع فرض سيطرتها الكاملة على كل ترابها الوطني، ولا تزال أجزاء منها خاضعة للاحتلال سواء كان إسرائيليا أو تركيا، لكنها لم تستسلم وظلت قادرة على الرد وعلى إيلام من استهدفوها، وظلت أيضاً ملتزمة بخطابها القومي وببرامج كفايتها الذاتية التي تعزز استقلال قرارها.

لذا يواصل الإسرائيليون والأتراك التحرش بها بغارات جوية إسرائيلية على مواقع وأهداف منتقاة في العمق السوري، أو باجتياحات وهجمات برية تركية على مناطق في الشمال السوري تريد أنقرة تحويلها إلى ملاذات آمنة لفلول الإرهاب.

لم تنته الحرب على سوريا حتى الآن، لكن ما يجري مجرد ردات فعل، وضربات انتقامية رداً على الهزيمة القاسية وتعبيراً عن احتقان رعاة مشروع الخراب بعد سقوط مشروعهم وتبديد حلمهم الآثم بانهيار الدولة وعرقنة سوريا وتقسيم أرضها بين الطوائف والأقليات العرقية.

صمدت سوريا، وسقطت كل تفسيرات القرضاويين للجهاد المقدس في أرض الشام، وصمتت أبواق دعائية كانت تستهل بثها بالتحريض على "النظام"، وكأن سوريا مجرد "نظام"! ورحل البغدادي المقبور مهزوماً ومنكسراً، وخاب أمل العملاء المحليين في رفاه مدعوم إسرائيلياً، وتوزعت المعارضة المرتبطة بالأجنبي بين المنافي البعيدة، وظلت دمشق عاصمة عربية.

هذا واقع الحال في سوريا الآن، وهو الواقع الذي يعيشه أهل البلاد ويراه القريب والبعيد، وتغمض عينيها عنه جامعة الدول العربية التي تصر حتى الآن على تجميد عضوية سوريا وإبقاء مقعدها في الجامعة فارغاً.

ربما لا تكون سوريا الآن في حاجة إلى عضوية الجامعة، وربما تستجد تغيرات قريبة تجعل الجامعة في حاجة ماسة إلى عضوية سوريا، لكن ذلك لا يعني السوريين بقدر ما يعنيهم تغيير واقعهم وتحقيق رؤيتهم بوطن حر تتقدم فيه حقوق الانسان على أي اعتبار، ولعل أهل الحكم في دمشق يدركون الآن أن صمود الدولة لم يكن ليتحقق لولا صمود أهلها الذين يستحقون العيش بحرية وكرامة.

لقد أدرك أعداء سوريا خيبة رهانهم، وربما يدرك أهل الحكم فيها ضرورة صياغة عقد اجتماعي جديد بين الحكم والشعب، يحفظ الهيبة للدولة ويصون الحق لمواطنها.