الكاتب اليمنى علي المقري وغلاف روايته الجديدة "بلاد القائد".
الكاتب اليمنى علي المقري وغلاف روايته الجديدة "بلاد القائد".
الأربعاء 29 أبريل 2020 / 20:58

"بلاد القائد" التاريخ في ريبورتاج روائي

في روايتيه اللتين تتناولان اليهود والأخدام، فضلاً عن العمل الروائي، جهد توثيقي، والأمر نفسه في «بلاد القائد»، فالرواية تتقصى الحدث التاريخي

علي المقري روائي يمني. روايته «اليهودي الحالي» التي ترجع إلى فترة كان فيها اليهود جزءاً من الشعب اليمني قبل ان يهاجروا إلى فلسطين، لقيت في حينها اهتماماً لكونها تلقي ضوءاً على واحدة من خبايا التاريخ اليمني، وعلى فترة مفقودة فيه. جرى الروائي على نفس الهاجس في روايته «طعم أسود» التي تتناول بدورها «الأخدام» وهم السود الذين اجتلبوا إلى اليمن «أخدام» كما يطلق عليهم، وفي النهاية شكلوا مجتمعاً له حيه وله سماته وأعرافه الخاصة. كانت الرواية الثانية كالأولى تحرياً آخر لظاهرة خاصة داخل المجتمع اليمني، وهي كالأولى اجتذبت اهتماماً لافتاً. الروايتان حققتا لعلي المقري حضوراً روائياً، فكلتاهما، فضلاً عن قراءتهما في لغتيهما الأصليتين، ترجمتا الى غير لغة. ومن فرنسا، مقر كاتبها اليوم، تهل علينا رواية «بلاد القائد».

الرواية الجديدة هي على غرار الروايات السابقة تحرّ تاريخي ونبش في مجتمع غير مسمى في الرواية، كما هو القائد وبلاده. لكن لا يغيب عن بال القارئ لدى تصفح الفصول الأولى أن القائد الذي يبدو أو يقدم نموذجاً للديكتاتورات العرب، يغلب عليه، بل يكاد ينطبق عليه، أن يكون معمّر القذافي وأن تكون البلاد ليبيا. هذا الموضوع الذي سبق إليه «ياسمينة خضرا» في «ليلة الريس» هو مرة ثانية في عمل روائي. غير أن ياسمينة خضرا سمى الديكتاتور وعكف على أيامه الأخيرة، فيما يتفادى ذلك علي المقري، مع أن كل ما في الرواية، سوى القليل الذي استعير من ديكتاتورات آخرين، يشير الى القذافي. هو وحده الذي يدّعي أنه يحمل رسالة عالمية، والمعتزّ، وهو في الرواية ابن الديكتاتور، يشير فوراً الى سيف الاسلام ابن القذافي، وشيماء ابنة الديكتاتور في الرواية تشير ايضاً الى عائشة القذافي. الأمر الذي يجعلنا نستغرب اغفال اسم القائد وبلاده.

في روايتيه اللتين تتناولان اليهود والأخدام، فضلاً عن العمل الروائي، جهد توثيقي، والأمر نفسه في «بلاد القائد»، فالرواية تتقصى الحدث التاريخي. القذافي، بنرجسيته وادعاءاته وطريقته في الحكم، حاضر في الرواية مع اجتلاب وقائع عديدة في سيرته لا تخفى، كما هو الأمر في مواجهته للانتفاضة ومصيره بعدها. أما سيف الإسلام فهو معتز بادعاءاته وتقمصه لشخصية متباينة. لا نجتهد كثيراً لنقرر ان القائد هو القذافي فهذا واضح في كل ثنايا الرواية وتضاعيفها، لكن المقري الذي يسعى إلى الخبايا والنوادر التاريخية، يجد في القذافي ما يلائمه.

 في القذافي درجة كبيرة من الندرة والغرابة اللتين اجتذبا المقري إلى يهود اليمن وعبيده السابقين، ولعله وقع على القذافي كما وقع عليهما، ففي سيرة القذافي، من الاستثناء والمخالفة، ما يجتذب روائياً أو باحثاً تاريخياً. وبالطبع فإن جانباً كبيراً من الرواية، بل الجانب الأكبر، هو ثمرة عودة إلى التاريخ وتوثيق وتحرّ واستناد الى طُرَف وحكايا معروفة. هناك بالطبع إضافات وتخيلات، لكن هذه مكتوبة بلغة التاريخ ولغة الوثيقة، فنحن، حتى في هذه، لا نبتعد عن عمل شبيه بالريبورتاج الصحفي. ذلك ما تند عنه لغة الرواية التي رغم قربها احياناً من الفانتازيا، كذلك النجم الذي يقتحم على الناس بيوتهم وخفاياهم، وذلك التأليف على غرار الأسماء الحسنى ال99، وما يُنسب الى جزيرة الموتى. مع هذا القرب من الفانتازيا، ومع الذريعة الروائية التي هي تكليف الراوي بأن يكون جزءاً من لجنة لكتابة سيرة القائد، فإن الكتابة نفسها، حتى وهي تتناول ذلك، تبدو فيه تاريخاً ووثيقة، بل تبدو أشبه بريبورتاج واسع.