الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة أحمد اشتية (أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة أحمد اشتية (أرشيف)
الخميس 30 أبريل 2020 / 21:17

توقيع الرئيس المتحوّل وحقل الألغام الثابت

سحب الرئيس الفلسطيني توقيعه على قانون يمنح امتيازات لموظفي الفئات العليا، وزراء ومحافظين وما شابه، ساعات قليلة فصلت بين ظهور القانون في الجريدة الرسمية وبين إعلان رئيس الوزراء محمد اشتية عن سحب توقيع الرئيس وإلغاء القانون، هو أكثر من قانون ولديه ملاحق مدروسة بحيث يشكل حزمة كاملة من الامتيازات.

السؤال الحقيقي الذي يمكن أن يتشكل في حادثة القانون الأخير، بين توقيع الرئيس وسحب التوقيع، هو ببساطة كيف وصل القانون الى الجريدة الرسمية؟

لم تكن ساعات هادئة تلك الساعات التي فصلت بين ظهور القانون في الصحيفة الرسمية وبين الإعلان عن سحبه، فقد تشكل تسونامي في وسائل التواصل الاجتماعي، موجة من الانتقادات والتشكيك والغضب والدعوة للمساءلة، ما أضاف حمولة من الاحتجاج كان "شتية" بغنى عنها.

كان على رئيس الوزراء وحكومته التي تحاول بجهد واضح استعادة ثقة الشارع وترميم العلاقة التي فسدت تماماً عبر أداء متعثر وطويل لحكومة رامي الحمدالله، كان آخرها قانون شبيه يضاعف رواتب وامتيازات الوزراء، تم التراجع عنه، أيضاً، والطلب من وزراء الحمدالله بإعادة المبالغ التي حصلوا عليها بأثر رجعي.

كان تفكيك قانون وزراء الحمدالله، هو المهمة الأولى لاشتية وحكومته، وكان على التكليف الذي استغرق وقتاً طويلاً من الجدل والمساومات التي شملت كل شيء تقريباً، البرنامج، وأسماء الوزراء، وتوزيع الحقائب، واستبعاد الوجوه المستهلكة، أن يعبر حقل ألغام من المصالح والتوازنات والصراعات الصغيرة في الغرف، ورغم التنازلات التي قدمها من نوع بقاء بعض الرموز المرفوضة شعبياً أوتلك التي تتسلق على أكتاف فصائل لا تمثل إلا أشخاصها، عبر الرجل بحكومته من حقل الألغام "الوطني".

يعرف اشتية جيداً أن نسبة كبيرة من الارتياح الذي استقبل به تشكيل حكومته ورافق أداءها فيما بعد يأتي من الرغبة الشعبية في الخلاص من حكومة الحمدالله، التي ارتكبت كل الأخطاء الممكنة وغير الممكنة أيضاً، والتي كانت بدورها ضحية لفكرة المصالحة وعبثية الاستقطابات في المشهد الفلسطيني، كانت حكومة وفاق، كما أطلق عليها، "وفاق" لأطراف تحارب فكرة الاتفاق وتحتال عليها وتبددها تحت غطاء من الخدائع ومحاولات كسب الوقت، ويعرف أنه بدأ من هناك، من المقارنة.

وهو ما جعل من ظهور القانون الأخير في الجريدة الرسمية الضربة الأقسى للمكتسبات التي راكمتها حكومته، بشق الأنفس وتحت رقابة شعبية شديدة، خلال مواجهة الوباء، المكتسبات التي اهتزت أكثر من مرة خلال الأسابيع الأخيرة، سواء من خلال فصل بعض الصحافيين من الوكالة الرسمية للأنباء، وفا رغم شعارات حماية الصحافة وحرية الرأي، أو فشل حملة "وقفة عز" وتعثر محاولات دفع القطاع الخاص للانخراط في حملة التكافل الاجتماعي المقترحة ضمن خطة الحكومة، أو تواصل استدعاء صحافيين لجلسات المحاكمة بأثر رجعي من حكومة الحمدالله.

في محاولة للاستنتاج يبدو أن القانون مر في طرق خلفية، تتوفر نتيجة لغياب السلطة التشريعية، الثغرة التي ينزف منها النظام السياسي الفلسطيني منذ انقلاب الإخوان المسلمين في غزة، وحالة الاسترخاء والسعادة التي تكتنف الشريحة المتنفذة في السلطة بسبب هذه الكارثة التي تمنحها حرية الحركة وتعزيز المصالح الشخصية، يمكن هنا من قبيل التذكير إضافة الطريقة البائسة التي جرى فيها اختيار أعضاء المجلس الوطني الأخير وما انبثق عنه من تشكيلة المجلس المركزي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

السؤال الحقيقي الذي يمكن أن يتشكل في حادثة القانون الأخير، بين توقيع الرئيس وسحب التوقيع، هو ببساطة كيف وصل القانون إلى الجريدة الرسمية؟ كيف عبر مراحل الاقتراح والصياغة والدراسة القانونية قبل أن يوضع على طاولة الرئيس؟ كيف أنجز عمل بهذه الحساسية من وراء الأبواب، ومن الذي اقترح وصاغ واختار التوقيت؟ والأهم كيف وقع الرئيس على القانون ودفعه للجريدة الرسمية؟

تلك رحلة طويلة تتضمن أكثر من محطة، والمفترض أن يجري تتبع هذا الخط الذي يحيطه الفساد من جهاته الأربع وليس الاكتفاء بإعلان مقتضب عن إلغاء القانون.

الحد الأدنى المطلوب الآن، وحتى لا تتحول عملية إلغاء القانون إلى مجرد انحناءة أمام العاصفة، إغلاق الممر الذي تسلل منه ومحاسبة الأشخاص الذين دفعوا العربة.