مستوطنة إسرائيلية.(أرشيف)
مستوطنة إسرائيلية.(أرشيف)
الأحد 3 مايو 2020 / 19:57

الضم.. مؤثر وليس حاسماً

إذا أردنا حقاً أن نقصر المسافة بيننا وبين الخروج من المأزق فلا مناص من أن نعيد مؤسساتنا إلى العمل، وأن نرمم بيتنا الذي اعترته التشققات وتهدده الانهيارات، وهذا وإن بدا صعباً إلا أنه ليس مستحيلاً

حين تقدم حكومة الثنائي نتانياهو-غانتس، على ضم أجزاء من الضفة الغربية، بما في ذلك "الأغوار" أكثر الآماكن أهمية بالنسبة للفلسطينيين والأردنيين والتي سبقها ضم القدس الشرقية، وسبقها كذلك ضم هضبة الجولان المحتلة، فذلك رغم انه يضاعف العبء على الحليفين الفلسطيني والأردني، وكذلك على الشقيق السوري، إلا أنه حتى في حال استمرار الاعتراف الأمريكي بالضم، ستبقى الأرض التي تُضم كتلك التي لا يعلن ضمها، أرضاً محتلة.

وأي إجراء بشأنها سيظل إجراءً من جانب واحد، ذلك أن الأب الروحي لإسرائيل والراعي والحامي والممول السياسي والعسكري والاقتصادي، الذي تعامل مع الاحتلال والاستيطان كمصلحة أمنية لإسرائيل هو في حكم المعترف رسمياً بالاحتلال كله، والمشجع العملي على استمراره، والضاغط على الفلسطينيين والعرب وغيرهم للتعايش معه وقبول الصيغ السياسية المقترحة لإدامته، ولو مع بعض الإجراءات المظهرية التي توحي بحله، كالانسحاب من بعض المساحات، والوعد بالاعتراف بدولة فلسطينية ستكون بعد الضم وفي حال الانسحاب مما تبقى مجرد مكان يعيش فيه الفلسطينيون ويسيطر عليه الإسرائيليون.

عدم الاعتراف الفلسطيني والأردني والسوري بالضم أساساً.. والمعزز بعدم اعتراف عربي وأغلبية دولية كاسحة، وإن كان لن يغير مما يجري على الأرض، إلا أنه يجسد إرهاقاً سياسياً وأمنياً مستمراً للدولة العبرية، التي لن تحصل على أهم ما تسعى إليه وهو الأمن الدائم والأمان والتطبيع مع المحيط، والظفر بميزة أنها صارت جزءاً مقبولاً نفسياً وسياسياً وكيانياً من دول وشعوب الشرق الأوسط.

لقد ولدت لعبة الضم وصارت سياسة حكومية في إسرائيل في ظروف شاذة، أملاها توافق مصالح رئيسين أمريكي وإسرائيلي، الأول فاز برئاسة بفعل سحب ورقة يانصيب راهن بها على دعم قطاع مناصر للتوسع الإسرائيلي وفق تفسيرات دينية وفازت ورقته ليجد نفسه ملزماً بسداد دين الوعد، ومجرباً ذات الورقة للمرة الثانية لتجديد ولايته، وكأن الورقة الفائزة أول مرة ستفوز بالتأكيد في المرة الثانية.

والثاني توغل في حكاية الضم بنفس المنطق الذي توغل فيه شريكه ترامب، اذ صارت بقوة الإلحاح ورقته الرابحة لتجديد ولايته وكان له ما أراد.

لعبة هذه عناصرها ومناخاتها ودوافعها وأهدافها، لابد وأن تجلب المتاعب والتحديات.. أكثر بكثير من المزايا المتوافرة أصلاً من خلال الاحتلال الذي استمر أكثر من نصف قرن، ومن الضم الذي تم بالنسبة إلى القدس والجولان. ففي الحالة الأولى وجدت إسرائيل نفسها ملزمة بوضع من اعتبرها عاصمة أبدية لها على طاولة التفاوض تحت عنوان الوضع الدائم، بل سجلت على نفسها تنازلاً مهماً عن معظم مناطقها المحتلة في محادثات كامب
ديفيد، وكذلك الأمر بالنسبة للجولان التي تنازل عنها اسحق رابين في وديعته باستثناء عدة امتار على شاطئ بحيرة طبريا.

الجديد في اللعبة كلها أن إدارة ترامب وافقت على الضم بصورة نهائية في الجولان، وتبنت مبدأ الضم في الضفة، وهذا وإن كان بالنسبة لنتانياهو إنجازاً ساعده في الاحتفاظ بموقعه لعدة أشهر، إلا أنه بالنسبة إلى إسرائيل مبعث قلق لن يتوقف، حتى لو كانت موازين القوى والتطورات الجارية في المنطقة تبدو مواتية لها، فلا شيء يبقى على حاله لا في الشرق الأوسط ولا على مستوى العالم.

لقد تولدت للدولة العبرية كوارث حدثت في محيطها وفرت لها ما ظنته وضعاً مواتياً للحصول على كل ما تريد مرة واحدة، أراضٍ للتوسع في الجولان والضفة، وتطبيعاً مع الجوار واعترافاً بالاحتلال المموه والصريح للأراضي الفلسطيني، غير أن ذلك إن استمر فبفعل الأمر الواقع والتحايلات وليس كحقائق راسخة مدعمة برضا الأطراف الأخرين وموثقاً باتفاقيات وضمانات تشكل وضعاً نهائياً.

سنتعب في مواجهة الجديد كفلسطينيين وسوريين وأردنيين أساساً، ولكن لن يكون الضم أحادي الجانب قدراً علينا إلا أن وضعنا كفلسطينيين والذي سيزداد صعوبة بفعل تزامن التحدي الإسرائيلي مع حلقات كورونا يتطلب منا قبل غيرنا أن نغير كثيراً في حالنا، لأننا لو بقينا على ما نحن عليه من فوضى وانقسام وارتجال، فسيطول أمد المعاناة من الاحتلال والضم ومخلفات كورونا، ولكن إذا أردنا حقاً أن نقصر المسافة بيننا وبين الخروج من المأزق فلا مناص من أن نعيد مؤسساتنا إلى العمل، وأن نرمم بيتنا الذي اعترته التشققات وتهدده الانهيارات، وهذا وإن بدا صعباً إلا أنه ليس مستحيلاً، فأساس الفعل هم الناس الذين إن أديرت شؤونهم بشكل سليم فلا خطر حقيقي يتهدد حاضرهم ومستقبلهم.