الأربعاء 6 مايو 2020 / 13:28

تزايد الكراهية والتطرف في عهد أردوغان

يرى الصحافي التركي البارز بوراك بكديل أن هنالك دائماً وجوداً لدافع سياسي خلف شخص يموت بسبب إضراب عن الطعام. لهذا السبب من المفهوم أن يقوم مؤيدو هذا الدافع السياسي بالبكاء على الضحية فيما يتجاهلها المعارضون. لكن موتاً كهذا في تركيا يكشف مجدداً الخيط الرفيع الخطير الذي يفصل بين الأتراك الموالين والمعارضين للحكم.

العالم الحر إلى الانتباه لحجم التطرف الديني في تركيا والرقابة الحكومية الطاغية التي وصل إليها الأمر في دولة مفترض أنها "غربية" وعضو في حلف شمال الأطلسي

لقد بات هنالك حرب نفسية باردة. وأضاف بكديل في "معهد غيتستون" أن الدولة التركية وحشية بشكل بارز في تعاطيها مع كل آيديولوجيا ومعتنقيها تعتبرهم "عدوانيين".

لم تبالِ بإضرابهم عن الطعام
بين سنتي 2000-2007 مات 122 سجيناً بسبب الإضراب عن الطعام وأصيب 600 بشلل دائم. لقد كانوا يعترضون على ظروف سجنهم. وأدى إضراب حديث عن الطعام في تركيا إلى الكشف عن مدى اللاإنسانية التي يمكن أن يصبح عليها الأتراك ودولتهم حين يكون المعترضون من عقيدة تنظر إليها الدولة على أنها "عدوانية".

في مارس (آذار) 2007، بدأ أستاذ المرحلة التعليمية الابتدائية سميح أوزاقجا والبروفسورة في الأدب نوريه غولمان بالاعتراض على طردهما من الحكومة عبر الإضراب عن الطعام. في اليوم السادس والسبعين، اقتحمت الشرطة منزليهما واعتقلتهما. يبدو أن الشرطة كانت تخشى من إمكانية أن "يتحول اعتراضهما إلى صيامي موت وتظاهرات جديدة."

اتهامات عشوائية
حين كان إضرابهما عن الطعام في الشهر السابع وصحتهما في وضع حرج، رفضت الشرطة أن تجلب "الإرهابيين المشتبه بهما" إلى محكمة للاستماع إليهما لأنهما "قد يحاولان الهرب". في الأيام الأولى للإضراب عن الطعام، قال وزير الداخلية سليمان صويلو إن الأستاذين فقدا وظيفتيهما بسبب صلاتهما بحزب التحرير الشعبي الثوري اليساري المتطرف.

لكن زعم صويلو كان بعيداً جداً من الواقع بحسب بكديل. لقد تمت تبرئتهما من كونهما عضوين في التنظيم سنة 2012. غير أنهما طردا من وظيفتيهما سنة 2017 لأنه اشتُبه بهما في قضية تمت تبرئتهما منها منذ خمس سنوات.

تحقيق مع المتعاطفين
أضاف بكديل أنه خلال مباراة كرة قدم، رفعت مجموعة من الجمهور لافتة كتب عليها: "دعوا نوريه وسميح يعيشان". لقد كان ذلك مجرد أمنية بسيطة وسلمية كي لا يموتا في السجن خلال الإضراب عن الطعام. لكن المسؤولين الحكوميين والأمنيين تحركوا فوراً، ومن خلال الكاميرات حددوا الأشخاص الذين رفعوا اللافتة وأطلقوا تحقيقاً جنائياً بتهمة "دعم منظمة إرهابية". وتم إقناعهما في نهاية المطاف بوقف الإضراب عن الطعام. لكن لم يملك جميع المضربين حظاً كهذا لاحقاً.

"سأخبر قصتكم غداً"
سنة 2016، تم اعتقال أعضاء من فرقة موسيقية شعبية تركية تدعى غروب يوروم بتهمة دعم المنظمة الإرهابية اليسارية نفسها، كما تم منعها من إقامة حفلات موسيقية. تُعرف الفرقة التي تأسست سنة 1985 بأغنياتها الاعتراضية وجذبت حشوداً من عشرات الآلاف الأشخاص. وخلال حفل موسيقي سنة 2015، حضر جمهور من نصف مليون شخص. عقب اعتقالهم قال المغني الشعبي الأمريكي جوان بايز: "إن احتجازكم دليل على أن الأفكار التي تؤمنون بها صحيحة ... أثناء الغناء سأخبر قصتكم أيضاً".

"دعوهما يموتان"
داخل السجن، بدأ عضوان من الفرقة، هيلين بوليك وابراهيم غوكتشيك، إضراباً عن الطعام. كانا يطلبان من الحكومة رفع الحظر عن إقامة الحفلات الموسيقية وإطلاق سراح المعتقلين. في نوفمبر (تشرين الثاني) تم إطلاق سراح عضوين، لكن بوليك وغوكتشيك ظلا يطالبان بالسماح لغروب يوروم بالعودة إلى الحفلات وإطلاق سراح سائر الأفراد وإسقاط التهم.

لكن الدولة التركية ردت بموقف "دعوهما يموتان". في اليوم 288 على الإضراب عن الطعام، ماتت بوليك عن عمر 28 عاماً. وكتب باريش خان في إيليري خبر إن ذلك هو "نتيجة السلطة السياسية التي تقسم الشعب على أنه ‘واحد منا‘ ضد ‘واحد منهم‘".

الكراهية التي زرعها أردوغان
ذكر بكديل أن بوليك حلمت بدولة عادلة للجميع. وكتبت: "أنا ذاهبة اليوم لكننا سنعود بالملايين." يمكن أن تكون قد ندمت على الطريقة التي اختارت أن تنهي حياتها لو قرأت كيف فرح أتراك عاديون بموتها. فطالب بعضهم بتوقيف جميع من يحضر دفنها، وتساءل آخرون: "منذ متى الإرهاب هو فن وموسيقى"، فيما كتب آخر إنها ماتت لتنال التصفيق. وطالب أحدهم بأن "يموتوا كالكلاب" فيما وصفها شخص بأنها "كيس من عظام" في إشارة إلى صورة تظهر هيلين بوزن 28 كيلوغراماً. وانتشرت عبارات مهينة أخرى.

عار.. انتخابات 2023 صعبة

وصف بكديل ما جرى بأنه عار على تركيا. لم يتم اتهام بوليك وأعضاء آخرون من غروب يوروم بالانخراط في نشاط إرهابي بل تمت محاكمتهم لأنهم تعاطفوا مع تنظيم إرهابي، وفقاً لزعم المحكمة، بأغنياتهم. بأغنياتهم، لا بالأسلحة ولا بالقنابل. إن حجم الحقد على جسم بوزن 28 كيلوغراماً يظهر حجم الاستقطاب الذي وقعت فيه تركيا.

وأضاف الصحافي أن ذلك يظهر كون تركيا عصية على الإدارة بالنسبة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. هذا الاستقطاب يبين كيف أصبحت الانتخابات الرئاسية سنة 2023 تحدياً حقيقياً له. ودعا بكديل العالم الحر إلى الانتباه لحجم التطرف الديني في تركيا والرقابة الحكومية الطاغية التي وصل إليها الأمر في دولة مفترض أنها "غربية" وعضو في حلف شمال الأطلسي.