السبت 9 مايو 2020 / 23:47

القناة الأولى للعائلة العربية

كان لقناة (m.b.c.) بالذات الدور الأعمق في الحفر عن امتزاج المحرم الديني بالمحرم الاجتماعي، وهذا ما قاد إلى أن اصطدمت القناة بالمتشددين

ما هي قناة العائلة العربية الأولى؟ أبحث عن جواب واقعي لا ميتافيزيقي، بمعنى أننا سنختار من القنوات الموجودة، ولن نرسم صورة في الأحلام لما نريده أن يكون كما يفعل الميتافيزيقيون. نتحدث هنا عن قناة العائلة بكل أفرادها وليس السؤال عن قنوات الأخبار التي لا يتابعها باستمرار إلا الرجال كبار السن والمتخصصين في الإعلام والسياسة. وينبغي للجواب أيضاً أن يكون غير إيديولوجي، فلا تتدخل الحزبيات السياسية ولا يهم إن كنت لبرالياً أو يسارياً أو إسلاميا، المهم هو نسبة المشاهدة وتعداد المشاهدين فقط لا غير. إن طبقنا هذه النظرة الواقعية فلا شك أن قناة (m.b.c.) هي القناة الأولى بالنسبة للعالم العربي من المحيط إلى الخليج. ولا يوجد قناة عربية واحدة وصلت إلى مستوى النجاحات التي حققتها قناة (m.b.c.) ولا قريباً منها.

ما سبب هذا النجاح؟
لا شك أنه يُنفق عليها بسخاء، ولا شك أنها تتمتع بإدارة حازمة، ولا شك أنها تملك رؤية وتسير بحسب خطة، لكن ليس هذا هو السبب الوحيد. السبب الأبرز لنجاح قناة (m.b.c.) هو معاركها، فخلال العقود الماضية منذ سنة تأسيسها خاضت قناة (m.b.c.) وشاركتها أختها قناة العربية العديد من معارك التنوير، ضد أصوات الثورجية من إسلاميين ويساريين، وكان لقناة (m.b.c.) بالذات الدور الأعمق في الحفر عن امتزاج المحرم الديني بالمحرم الاجتماعي، وهذا ما قاد إلى أن اصطدمت القناة بالمتشددين الذين كانت لهم سطوة قوية على مجتمعاتنا العربية، حدث هذا في أبرز صوره من خلال المسلسل الكوميدي السعودي طاش ما طاش ونجمه الفنان الصديق ناصر القصبي. برنامج طاش بالذات فتح ملفات كبرى مثل ملف الإرهاب، في زمن كنا نرى التفجيرات تقع في بلادنا بين حين وآخر، لكن لأن الأستاذ القصبي والفريق الذي معه وقناة (m.b.c.) من ورائهم، لم يرضخوا للتخويف ولا للتهديد، وواصلوا مشوار الهتك والفضح ضد كل شعارات الإرهابيين وصفوفهم الخلفية التي تدافع عنهم على مستويات تختلف في القوة والحماس. قناة (m.b.c.) شاركت مشاركة فعالة في هزيمة الإرهاب، في مقابل قنوات عربية أخرى (كقناة الجزيرة في قطر) تشجع الإرهاب وتبث رسائل المجرمين وتدعو ليل نهار لكي تشتعل الحروب وتتشرد الشعوب.

اليوم، هناك حملة جديدة على قناة (m.b.c.) يقودها من جديد الإسلاميون واليساريون، وقامت معهم قناة الجزيرة هذه المرة، بأسلوب لم تكن تتبعه من قبل. والحجة أن قناة (m.b.c.) تشجع على التطبيع مع إسرائيل؟ كيف وأين؟ لأنها تبث مسلسلاً خليجياً تدور أحداثه عن امرأة يهودية كانت تقيم في الكويت. أين التطبيع هنا؟ لا تسل.

لكن ما ينبغي أن يعرفه الإخوة والأخوات ممن يستمعون لضجيج حملة أختام التكفير والتخوين أن خلاف العرب مع إسرائيل هو خلاف سياسي وليس خلافاً دينياً، ولا يطالب بإبادة اليهود إلا إنسان فاشي نازي. ولو نجح هذا المسلسل أو غيره في كسر إطار الصورة المغلوطة لاعتبرت هذا نجاحاً للقناة في عمل إنساني. تصحيح مفاهيم الناس هو عمل تنويري عظيم، ونحن كعرب أو كمسلمين ينبغي لنا أن نصطف مع قيم التسامح والتعايش بين البشر، وأن نتخلى عن الجثث الهامدة التي أرهقنا حملها وعن شعارات الكراهية التي لم تحل لنا قضية.