تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الإثنين 11 مايو 2020 / 21:38

شاهد قبل الحذف

شاهد قبل الحذف .. عبارة ترويجية كاذبة. قد تخفي خلفها دعوة لمشاهدة رأي فكري متطرف، أو تصرف أخلاقي خارج عن السياق، أو هلوسة وشخصية دونكيشوتية

 وصلني منذ فترة منشور لم أفتحه. فالانشغالات كثيرة. والوقت أثمن من أن يضيع في قراءة منشورات عشوائية تقتحم هواتفنا. لكني استطعت أن أتبين قبل فتحه الجملة الأولى منه "شاهد قبل الحذف".

أغرتني هذه العبارة بأن أعطي المنشور بعض اهتمام. لكن ثمة صارف جعلني أفوت هذه الفرصة على نفسي. أو هكذا ظننت.

في آخر الأسبوع، تذكرت وأنا أراجع رسائل الأسبوع الفائت المشاهدة التي فوتها على نفسي، وتأسفت أن ثمة مقطعاً يكشف حقيقة يحرص أحد ما على إخفائها وطمسها. لكني وجدت الرابط ما زال مفعلاً!! أيعقل أن من نخافه ليس على درجة من القوة والنفوذ تمكنه من حذف هذا المقطع، استبعدت ذلك، فالمنشور يدعي أن هذا المقطع هو "أخطر فيديو على سمعة الولايات المتحدة الأمريكية". كيف للقوة العالمية الأولى أن تعجز عن حذف هذا الفيديو، وقد وصلت المشاهدات إلى نصف مليون. هل أضع فرضية أن الاستخبارات الأمريكية التي لا يعجزها حذف مقطع فيديو ما زالت نائمة ولم تكتشفه! 

مجدداً ثمة صارف آخر منعني من مشاهدة الفيديو فقد اكتفيت بفتحه ثم إغلاقه بعد ثوان معدودة. وقلت لنفسي: لربما يكون الجهل محموداً أحياناً. وقاومت فضولي أسبوعاً كاملاً، ثم عدت إلى الرابط، وكان مفعلاً. لم يحذف بعد. هذه المرة لا بد من اقتناص الفرصة، فتحته وشاهدت فيه رصفاً لمعلومات وتخمينات وتحليلات مما نراه على القنوات ونقرؤه في الإخباريات ويصلنا عبر المنشورات.

أدركت حين شاهدت المقطع أن من وضع عبارة "شاهد قبل الحذف" أخذ مقلباً في نفسه. وتضخم لديه إحساس الشعور بالمعرفة، وترسخت لديه عاهات الفكر الناقص والاستدلال غير المنطقي فشعر أنه قد وصل إلى مرحلة التصادم مع القوى العظمى. في حقيقة الأمر لم يكن في المادة المسجلة ما يشكل خطراً على الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه يشكل خطراً على الفكر السليم الذي ينظر إلى الأمور من خلال منظار نظرية المؤامرة، ويعطي التوصيف غير المناسب للأفكار والأحداث، وينظر للحياة بنظارة دون كيشوت ذلك الفارس المتجول الأحمق الذي ظن نفسه في مهمة مقدسة، وخلق من وهمه شخصيات عملاقة ليظهر قوته فحارب طواحين الهواء.

شاهد قبل الحذف .. عبارة ترويجية كاذبة. قد تخفي خلفها دعوة لمشاهدة رأي فكري متطرف، أو تصرف أخلاقي خارج عن السياق، أو هلوسة وشخصية دونكيشوتية. وحيثما رأيتها فأعرض عنها صفحا. فهذا أسلم لروحك وعقلك.