الأربعاء 13 مايو 2020 / 14:19

تركيا الأردوغانية... القلم أكثر من السلاح والمافيا

عرف الصحافي التركي البارز بوراك بكديل سريعاً بالوجه المافيوي التركي البارز علاء الدين تشاكيجي وماضيه اليميني المتطرف الذي لم يجعله رجل ظل في العالم السفلي الإجرامي، وحسب بل أيضاً في المسارح السياسية التركية داخلياً وخارجياً. وكتب في "معهد غيتستون" الأمريكي أن تشاكيجي كان مقاتلاً بارزاً في السبعينات خلال ما كاد يكون حرباً أهلية بين اليمين واليسار المتطرفين. وأوقف بعد فترة قصيرة من الانقلاب العسكري في 1980 وأدين بقتل 41 يسارياً.

بعد 18 عاماً على حكم أردوغان، يبدو وبشكل حزين أن الهبوط الحر لهذا الحليف الأطلسي الاسمي نحو التسلط أمراً لا رجعة فيه

وفقاً لتقارير مسربة، استخدمت الاستخبارات التركية تشاكيجي قاتلاً محترفاً في الثمانينات والتسعينات. كانت المجموعات اليسارية والمؤيدة للأكراد أهدافه. طلبت منه الاستخبارات التركية شن عمليات في الدول الأجنبية بما فيها اليونان ولبنان، لاستهداف حزب العمال الكردستاني والجيش الأرمني السري لتحرير أرمينيا.

في 2018، وصف دولت بهتشلي، السياسي اليميني المتطرف والداعم القوي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تشاكيجي بـ "شجاع ولا يخاف" و"يعشق وطنه ومُثله".

قال بهتشلي إن تشاكيجي كان في السجن بسبب عدد من الجرائم مثل القتل والهجوم المسلح وتبييض الأموال وقيادة مجموعة مسلحة غير شرعية. واستأجر تشاكيجي قاتلاً لتصفية زوجته السابقة التي قُتلت في 1995 بإطلاق نار أمام عيني ابنهما.

دقة كبيرة
رغم جرائمه أطلِق سراح تشاكيجي في الشهر الماضي وخرج من السجن عن عمر 67 عاماً.

لقد استفاد من عفو أصدره البرلمان المؤيد لأردوغان والذي أفرج مؤقتاً عن حوالي 45 ألف سجين من أجل "لجم انتشار فيروس كورونا". وتم تبرير القانون أيضاً بالرغبة في تفادي الاكتظاظ داخل السجون. سيقلص قانون العفو عدد السجناء بحوالي الثلث من حوالي 300 ألف علماً بأن سعة السجون التركية تقف عند 230 ألفاً.

عند إعداد مسودة القانون، كان أردوغان ونوابه بالغي الدقة حتى لا يدعوا أي سجين سياسي يخرج حراً. واستثني حوالي 50 ألف سجين من المسودة لأنهم مدانون أو مشتبه بارتكابهم أعمالاً إرهابية. يضيف بكديل أن المشكلة تبدأ هنا: وفقاً لتهم الإرهاب، إن التعبير عن أدنى معارضة يمكن أن يكلف المواطن أشهراً عدة من الحبس الاحتياطي.

تسامحون المافيا لا مريدي السلام

لم يكن مفاجئاً أن تخرج تركيا، باستثناء فريق أردوغان والعصابات، وتدين الخطوة بالإجماع.

وقال النائب المعارض توران أيدوغان: "أنتم تسامحون المافيا... لا تسامحون الصحافيين الذين يكتبون الحقيقة. لا تسامحون من يريدون السلام".

وأصدر آلاف من الصحافيين والناشطين والأكاديميين المناهضين للعفو بياناً كتبوا فيه "أن الدولة تريد إطلاق سراح الذين ارتكبوا جريمة ضد المدنيين بينما تبقي أولئك الذين تساءلوا عن تسلطها خلف القضبان. حين تكون الأرواح على المحك، لا يمكن أن يكون هنالك تمييز مبني على المعتقدات والعقائد."

ووصف نائبان من الاتحاد الأوروبي، ناتشو سانشيز آمور وسيرغي لاغودينسكي القانون بـ"خيبة أمل عظيمة".

بالدليل
وفقاً لتقرير سنوي لاتحاد الصحافيين الأتراك، هنالك 85 صحافياً في السجون حالياً وهم مستثنون من العفو، بينما احتجز 108 صحافيين 103 مرات السنة الماضية وحدها. كذلك أمضى هؤلاء 239 يوماً في السجن بالحد الأدنى.

وادعى 11 صحافياً أنهم تعرضوا للضرب واشتكى اثنان من إجبارهم على التعري للتفتيش. وفي 2019، أطلِقت تحقيقات جديدة ضد 79 صحافياً حالياً وهم مستثنون من العفو، بينما احتجز 108 صحافيين 103 مرات السنة الماضية وحدها.


الحقيقة المرة

قال نواب معارضون في 14 أبريل (نيسان) الماضي إنهم سيطالبون بإبطال القانون أمام المحكمة الدستورية. وأوضح النائب مصطفى ينيروغلو أن "جوانب عدة من الحزمة الإصلاحية تخرق الدستور. من المحتمل جداً أنه سيكون على المحكمة الدستوية توسيع نطاق الحزمة بسبب مبدأ عدم التمييز".

يرى بكديل أن المحكمة العليا قد تصدر أو لا تصدر حكماً تصحيحياً لهذا الجزء المريع من قانون أردوغان.

وبغض النظر عن الحكم، ستبقى الحقيقة المرة أنه بعدما سار أكثر من نصف البلاد نحو الديموقراطية الغربية، أصبحت تركيا دولة يُنظر فيها إلى القلم على أنه أخطر من السلاح.

ولفت بكديل إلى أنه بعد 18 عاماً على حكم أردوغان، يبدو وبشكل حزين أن الهبوط الحر لهذا الحليف الأطلسي الاسمي نحو التسلط أمراً لا رجعة فيه.