عمال صحيون في أحد المستشفيات (أرشيف)
عمال صحيون في أحد المستشفيات (أرشيف)
الإثنين 18 مايو 2020 / 20:16

فوائد كورونا!

لا أستخف بالجائحة، وأدرك تماما خطورة الوباء وصعوبة المرحلة التي يعيش فيها العالم كله مواجهة شاملة لأكبر تهديد للبشر وحياتهم منذ قرن من الزمان. لكنني أدرك أيضاً أن الطبيعة قادرة على خلق مضادات الفناء والحفاظ على بقاء النوع، وهذا ما أثبتته تجارب البشر في مواجهة الجوائح والكوارث والحروب عبر التاريخ.

دعونا نعترف أن الفيروس أجبرنا على الانخراط في التأمل والتفكير الإيجابي خلال أوقات العزل الإجباري أو العزلة الاختيارية التي فرضتها علينا شروط الوقاية من الإصابة

على غفلة من الطب والعلوم وأنظمة الحماية فاجأنا فيروس كورونا باجتياح الأرض وتغيير واقعها، ولم تكن قدرات الدول الكبيرة والصغيرة قادرة على درء الخطر أو حتى التخفيف من آثاره، و لا نزال أسرى للخوف على الذات، والخوف على الآخرين من شيء لا نراه ولا نستطيع تشخيص حالات تطوره. وقد تغيرت حياتنا تماماً، مثلما تغير تفكيرنا بعد أن تراجعت طموحاتنا وأحلامنا التي يبدو أنها صارت مؤجلة إلى الأبد.

لم نعد قادرين على التخطيط لما نريد تحقيقه بعد شهر ناهيك عما نريد إنجازه بعد سنة أو أكثر، وتغيرت أولوياتنا حتى صار تأمين الحصول على كمامة أهم كثيراً من امتلاك بيت أو سيارة، وتقدمت قطعة الصابون على رغيف الخبز، في احتياجاتنا اليومية للبقاء على قيد الحياة.

رغم ذلك استطعنا الاستفادة من الجائحة، حيث تهذب سلوكنا اليومي، وارتقينا بطرق تواصلنا الاجتماعي، واستعدنا احترامنا لأجسادنا التي كنا نعتقد أنها محصنة ومحمية تماماً من المؤثرات البيئية، واكتشفنا ضرورة العناية بنظافة بيئتنا التي بالغنا في تلويثها في زمن ما قبل كورونا.

في زمن كورونا صار البشر أكثر اهتماماً بنظافة أجسادهم، وأكثر حرصاً على نظافة بيوتهم ومكاتبهم وأدوات حياتهم اليومية بدءاً من طبق الطعام وانتهاء بالهاتف المحمول، أو جهاز الحاسوب.

دعونا نعترف أيضاً أن الفيروس أعاد تذكيرنا بضرورة الابتعاد عن مكامن الخطر والوقاية من الملوثات، ولو بغسل اليدين وتعقيم الملابس. ودعونا نعترف أن الفيروس أجبرنا على الانخراط في التأمل والتفكير الإيجابي خلال أوقات العزل الإجباري أو العزلة الاختيارية التي فرضتها علينا شروط الوقاية من الإصابة، وهي شروط يجب أن تظل قائمة بعد انتهاء الجائحة، خاصةً في ما يتعلق بالمناسبات الاجتماعية التي كانت المشاركة فيها تتعدى الواجب إلى النفاق الاجتماعي.

لم نعد مضطرين إلى العناقات التي تخلو من المشاعر الحقيقية والتي أدمنا عليها بدافع المجاملة، ولم نعد قادرين على تبديد أعمارنا في المقاهي وسهراتها الطويلة، وكتشفنا في زمن الجائحة أيضا أن في بيوتنا، مطابخ تغنينا عن ارتياد المطاعم، كما اكتشفنا أن تواصلنا الاجتماعي ممكن ومتاح من خلال تقنيات العصر التي تغني عن الاختلاط المباشر، وصرنا أكثر واقعية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بتقنياتها المختلفة، بعد أن كانت هذه الوسائل في ما مضى مجرد أدوات للتباعد الاجتماعي، حتى في إطار الأسرة الواحدة.

على المستوى الأعم صار هواؤنا أنقى، وتبددت غيوم الملوثات من سمائنا، واستعادت أجسادنا حيويتها، عندما عدنا إلى الطبيعة وتحررنا، ولو قليلاً، من أسر الروتين المرعب للحياة تحت رحمة سباقات التسلح، والتصنيع واختباراتها التي ثقبت الأوزون وغطت حياتنا بالغيوم السوداء.

هي مرحلة ستنتهي، مهما طالت، وسيعود البشر إلى الحياة بحرية، لكنها مرحلة لا بد أن تترك أثرها على الحياة، ولا بد أن يستخلص البشر منها عبراً ودروساً تعيد صياغة شكل حياتنا في الأزمان القادمة.

هل نفعل ذلك، أم نعود إلى فوضانا القاتلة؟

دعونا نفكر في وقت العزلة في كيفية التعبير عن احترامنا للطبيعة.