الأربعاء 20 مايو 2020 / 12:40

بعدما فقدت هيبتها٠٠٠ البحرية الإيرانية تتقهقر

لم يرصد البحارة الإيرانيون الذين كانوا على متن سفينة الإمداد الحربية "كونارك" عند خليج عمان، الصاروخ المتجه صوبهم والذي دمر السفينة وأدى إلى مقتل 19 بحاراً وجرح آخرين. وكانت النيران التي شبت في السفينة شديدة إلى درجة أن "كونارك" كانت ما تزال تشتعل أثناء قطرها نحو ميناء شاهباهار الإيراني غير البعيد عن الحدود الباكستانية.

بعدما كانت البحرية فخراً للدولة، أصبحت اليوم ظلاً لما كانت عليه

وقدم المرشد الأعلى علي خامنئي تعازيه إلى أهالي البحارة، وأمر بإجراء تحقيق في الحادث، بوصفه قائداً أعلى للقوات المسلحة الإيرانية. وقال: "من الصعب على أسر الضحايا تحمل فقدان أحبتهم، وكذلك على القوات البحرية فقدان هؤلاء الشباب المخلصين الجادين".

ويلفت مايكل روبن، باحث مقيم لدى معهد أمريكان إنتربرايز، إلى أنه كان الأجدر بالمرشد أن يضيف أن البحرية الإيرانية اعتادت على مثل تلك الحوادث المؤسفة مذكراً ضمن موقع "ناشونال إنترست"، بأن للبحرية الإيرانية ماضياً مجيداً. فقد أحرق قراصنة فرس خلال القرن الثامن مدينة كانتون( غوانغزو حالياً). وعندما بدأ الإسبان والبرتغاليون استكشاف "العالم الجديد"، كانت سفن فارسية تجوب بالفعل مياه المحيط الهندي وشرق أفريقيا. وفي واقع الأمر، ما زال بعض سكان الصومال يحتفلون بعيد النيروز – السنة الفارسية الجديدة-، رغم احتمال عدم تذكرهم أصل العيد. ومع انسحاب البحرية البريطانية من الخليج، عام 1971، أرسل الشاه سفن الإمبراطورية الإيرانية لاحتلال جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى.

 وبعدما غزت قوات صدام حسين إيران عام 1980، حققت بحرية الجمهورية الإسلامية الوليدة أعظم انتصاراتها. وفي هجوم جوي وبحري منسق لم يظن عراقيون ولا محللون عسكريون غربيون أن إيران قادرة على تحقيقه، نفذت البحرية الإيرانية بنجاح "عملية فورفاريد"( اللؤلؤة)، ودمرت منصات نفط ومعظم قطع البحرية العراقية الصغيرة عند ميناء البكر.

انحدار
ويرى الكاتب أن البحرية الإيرانية شهدت مذذاك انهياراً. وبعدما أمرت إدارة ريغان بتغيير أعلام ناقلات نفط كويتية وحراستها بهدف حماية حليف لأمريكا، وإبقاء خطوط بحرية مفتوحة في مواجهة هجمات إيرانية( وعراقية)، تعاملت البحرية الأمريكية ومشاة البحرية بشكل متقطع مع نظرائهم الإيرانيين.

وبعدما ضبطت القوات الأمريكية سفينة "أجر" الإيرانية عند زرعها ألغاماً في مياه الخليج، صعد جنود أمريكيون على سطح السفينة، وأخلوها من بحارتها، واستولوا عليها.

ونتيجة لذلك، عندما اصطدمت السفينة الأمريكية USS صاموئيل روبرتس بلغم في مياه الخليج، لم تتردد إدارة ريغان في الرد. وتحركت البحرية الأمريكية، في أبريل (نيسان) 1988 لمهاجمة منصات نفط إيرانية. ووفقاً للإجراء المعتاد، أمهلت العاملين الإيرانيين خمس دقائق لإخلاء تلك المنصات، وتوسل بعضهم مزيداً من الوقت، عوض مغادرة مواقعهم، وسعوا للقتال.
  
وألحقت البحرية الأمريكية هزيمة بسفن ومقاتلات إيرانية. وكانت تلك الهزيمة كارثية جعلت استراتيجيين إيرانيين يتخلون عن فكرة الدخول في مواجهة مباشرة مع البحرية الأمريكية، والاستعاضة عنه بتكتيكات الزوارق الصغيرة.

أكبر تحدٍ
ووفقاً للكاتب، لم تستعد البحرية الإيرانية هيبتها إلا في عام 2007. وفي ذلك العام، تولى محمد علي جعفري قيادة الحرس الثوري الإسلامي، وأمر بإعادة التفكير بالانتشار الإيراني. وفي العام نفسه، سافر خامنئي إلى ميناء بندر عباس لتوجيه كلمة إلى البحرية الإيرانية وفيالق الحرس الثوري الإيراني، محملاً إياهم مسؤولية استعراض القوة الإيرانية.

وسرعان ما بدأت البحرية الإيرانية في رفع علمها في مناطق عدة، وأرسلت في فبراير( شباط) 2011، سفينة لتعبر قناة السويس في طريقها نحو المتوسط لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية( لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عرقل عبور الإيرانيين القناة، رغم أن حرية الملاحة مضمونة فيها).

إلى ذلك، نفذت البحرية الإيرانية، عام 2013، أول انتشار لها في المحيط الهادئ منذ القرن العاشر، ووصلت إلى منطقة قريبة من شنغهاي. وفيما وصف قادة إيرانيون الجمهورية الإسلامية بأنها قوة في المنطقة، سرعان ما بدأوا يتحدثون عن أنفسهم كقوة إقليمية( تشمل الخليج ومنطقة شمالي المحيط الهندي)، وليحددوا أخيراً حدودهم الاستراتيجية من خليج عدن إلى شرق المتوسط.

حوادث مؤسفة
وحسب الكاتب، كان يناير( كانون الثاني) 2018 شهراً سيئاً للغاية بالنسبة للشحن الإيراني. فقد اصطدمت مدمرة دامافاند الإيرانية، في 10 يناير بحاجز للأمواج أثناء محاولتها الرسو عند ميناء بندر آنزلي في بحر قزوين. وفي بداية الأمر، وصف مسؤولون إيرانيون ما جرى بأنه حادث بسيط، لكن مدونين سربوا شريط فيديو للسفينة الغارقة. وفي نهاية الأمر، اعترفت البحرية الإيرانية بالحادث، وأقرت بغرق ثلاثة بحارة.

وفي ذات السياق، يعتبر حادث كوناراك الأخير ثالث حادث بحري كبير يقع في ظل قيادة الأدميرال حسين خانزادي للبحرية الإيرانية منذ نوفمبر( تشرين الثاني) 2017. وبعدما كانت البحرية فخراً للدولة، أصبحت اليوم ظلاً لما كانت عليه. ويتجاوز الخطاب الإيراني قدرات البلاد العسكرية، وأصبح من الأرجح وقوع حوادث كإصابة كوناراك بنيران صديقة.

لذا يبقى اليوم السؤال الوحيد المطروح أمام طهران عما إذا كان استخدام البحرية للتفاخر واستعراضات القوة يستحق كلفته سواء لجهة القتلى أو الإحراج الديبلوماسي.