طالبات يضعن كمامات للوقاية من كورونا.(أرشيف)
طالبات يضعن كمامات للوقاية من كورونا.(أرشيف)
الجمعة 29 مايو 2020 / 18:40

انتظروا الثورة على كورونا!

إنها ثورة من نوع غريب وغير مسبوقة في التاريخ الإنساني جوهرها قتل "الموت" بمجازفة الذهاب للحوار معه وتفهم مطالبه وماذا يريد منا و"اعتقال الخوف" من خلال محاصرته بالحرية وبهجتها

يمر العالم اليوم بالمرحلة قبل الأخيرة من التعاطي مع كورونا، وهي المرحلة التى يمكن تسميتها "التمرد" على عالم كورونا وقوانينه بعد عدة أشهر من العبودية والتبعية شبه المطلقة لهذه القوانين التي تتلخص في عنوان كبير وعريض ألا وهو "الصحة مقابل الحرية" أي بمعنى القبول بسلب حريتك مقابل "احتفاظك بالصحة والعافية"، وهذا المقابل هو في المحصلة النهائية تقدير افتراضي فهناك الكثير من البشر ممن تنازلوا عن حريتهم والتزموا بقوانين "كورونا" ولكنهم في النهاية لم يحتفظوا بالصحة والعافية وخسروا الحياة وحريته.

في تقديري أن العالم برمته تعرض "لصدمة سيكولوجية" أفقدته القدرة على التفكير السليم وتحسس ما يجرى من حوله، وأخذته تلك الصدمة إلى القبول "بسيكولوجية القطيع" التي من أخطر نتائجها على الاطلاق القبول الطوعي "بالإغلاق وحظر التجول"، فهما فرضا على الإنسان في أصقاع الأرض القبول بفرضية أنه بات مشروع موت أو حالة تنتظر الموت، وأن وسيلة نجاته الوحيدة هي أن يكون "فرداً مطيعاً" في هذا القطيع الكبير والضخم يأخذ الأوامر والتعليمات وينفذها بلا نقاش أو حوار، وأن هذه الحالة هي طوق النجاة له والتي ستمكنه من الحصول على جرعته من "أوكسجين" الحياة والتي، إن أخذت ستكون حتماً مغمسة "بذل" التعود على الخنوع والرضوخ والتنازل السهل عن الحرية وألقها وجمال العيش فيها ولها.

ما جرى مع العالم منذ نهاية العام الماضي إلى الآن بسبب فايروس كورونا والتطورات المتلاحقة بشأنه من إجراءات الوقاية منه مروراً بتفسير سطوته الوبائية علمياً والبحث عن لقاح له مروراً بما فرضه من قوانين قسرية على المجتمع الإنساني، كل ذلك عزز من قوة "نظرية المؤامرة" القائمة على الاعتقاد أن "كورونا" هو فايروس استمد قوته من الإعلام وانه نتاج متنفذين على مستوى العالم نجحوا في إرهاب وإخافة البشرية وابتزازها.

بمرور قرابة خمسة أشهر على "العرض المتواصل لقدرات كورونا الرهيب والمخيف" وهيمنته على حياة العالم وبكل تفاصيلها وبخاصة الصغيرة منها قبل الكبيرة، بدأت الأمور تصل إلى نهايات لم يتوقعها الناس المأخوذون بالخوف والفزع وسطوة سيكولوجية الصدمة التي أحدثها هذا "الفايروس" في بداياته. لقد دخل "كورونا" الآن مرحلة التراجع والتقهقر وفقد سطوته ووصل مرحلة الترنح والخفوت والوهن ليس "وبائياً" فحسب بل على المستوى السيكولوجي والإعلامي بحيث أصبح المرء ومهما كانت ثقافته ومستوى تعليمه يتساءل عن مشروعية القبول بقوانين "العبودية" لفايروس كان خطره الحقيقي ونتائجه الكارثية الافتراضية إعلامية بالدرجة الأولى وأرقام تذاع على مسامعنا دون أدنى تحقق من صدقيتها، وهو الآن في حالة تراجع وإن قيل إنها مؤقتة.

لا أريد "الاستسلام" لنظرية المؤامرة والخضوع لها، ولا أريد بالمقابل التصدي لها بشكل اعتباطي، ولكن ما انا مقتنع به أن الناس وصلوا إلى مرحلة تعدت الضجر والتذمر من الخنوع لكورونا ودخلوا مرحلة مواجهته من خلال البدء تدريجياً بالتعايش معه وصولاً لمرحلة إنكاره ومحاولة تجاهل وجوده، فالناس اكتشفوا أن حياتهم المسكونة بالخوف والرهبة وبلا حرية وتحديداً بفقدان عناصر الحرية "الأولية"، ألا وهي حرية التنقل والاختلاط مع الآخرين والتفاعل معهم اجتماعياً، هي العناصر الأساسية المكونة للموت الذي يهربون منه بل هي الأكثر فتكاً بهم.

نحن اليوم على مشارف الوصول إلى مرحلة الثورة على "الكورونا"، إنها ثورة من نوع غريب وغير مسبوقة في التاريخ الإنساني جوهرها قتل "الموت" بمجازفة الذهاب للحوار معه وتفهم مطالبه وماذا يريد منا و"اعتقال الخوف" من خلال محاصرته بالحرية وبهجتها، هذه الحرية التي اكتشف الإنسان أنها الاوكسجين الذي لا يستطيع المرء العيش من دونه، وأن لا قيمة تذكر لحياة خلف الجدران أو بدون قبل وعناق ومصافحة، حياة بدون ضجيج الضحكات والقهقة وبلا ازدحام وفوضى، إنها حتماً هي تلك الحياة المسلوبة والتي بالضرورة سيكون شعارها "الكمامة والقفاز".
عاشت الحرية أولاً وثانياً وأخيراً!