سيارات تعبر وادياً خلال السيول في الإمارات.(أرشيف)
سيارات تعبر وادياً خلال السيول في الإمارات.(أرشيف)
الجمعة 29 مايو 2020 / 18:42

مأساة وادي الحلو

من أجل عمر ومثايل، وغيرهما الكثير من الأبرياء، أظن بأنه بات علينا أن نزيل اللبس حول الإجراءات القانونية التي تنتظر عابري الأودية، وإلا سنتحمّل استمرار حماقاتهم موسماً بعد موسم

فُجعنا مؤخراً كإماراتيين بحادثة مقتل الطفلين عمر ومثايل غرقاً بعد أن جرفت سيول وادي الحلو السيارة التي كان يقودها والدهما، ليرتفع عدد ضحايا السيول خلال المنخفض الجوي الذي مرت به البلاد إلى 4 قتلى لقوا حتفهم بنفس الطريقة المرعبة.

و–كالعادة- أُعيد فتح ملف المغامرين بعبور الأودية بمركباتهم.
أعتقد بأننا بتنا جميعاً نتفق مع العميد أحمد الصم النقبي، من شرطة رأس الخيمة، حينما رفع يديه مستسلماً، وأعلنها بصريح العبارة في موسم الشتاء الماضي، "إن تحذيرات وجهود رجال الشرطة، والجهات المعنية الأخرى، .. لم تعد كافية".

ومن يتلمس تعليقات المواطنين والمقيمين، وردودهم في مواقع التواصل الاجتماعي، سيجد شبه إجماعٍ حاليٍ على ضرورة تشديد العقوبات والغرامات على عابري السيول.

وبينما لا أختلف معهم، فإني أرى بأنه لم يعد كافياً كذلك التلويح بالتصعيد ضد المستهترين، بينما لا تزال الأمور غير واضحة أبداً من زاوية رؤيتنا كعامة.

فلقد سبق –مثلاً- وأن أكد المحامي الدكتور حمد الدباني أن قانون السير والمرور يخوّل رجل المرور بالفعل استدعاء وضبط أي شخصٍ يعرض حياته وحياة الآخرين للخطر، فيلزمه بالتعهد، والتوقيع بعدم تكرار عبوره للأودية.

ولكن ماذا يعني ذلك بالضبط في حال عدم الالتزام بالتعهد، وهو أقل ما نتوقعه ممن لا يتورع عن تهديد حيوات الآخرين في سبيل لقطة جماعية وسط السيول؟

بقيت الإجابة غير واضحة، وظلت سيارات الدفع الرباعي "تتدفق" بدورها في الأودية، تتحدى الطبيعة مرةً ومرتين وثلاثاً وألف، ولا تتوقف إلا بعد فوات الأوان.

كذلك سبق –مثلاً- وأن توعّد جمال العامري، المدير التنفيذي لجمعية "ساعد" للحد من الحوادث المرورية، بـ"تقديم هؤلاء المتهورين إلى الجهات المختصة، والدفع بهم إلى السلطات القضائية لنيل الإجراء والجزاء الذي يستحقونه".

ولكن تحذيراته هو أيضاً ظلت عبارات مبهمة، وملتبسة، وفضفاضة، بالنسبة إلينا كعامة. فماذا يعني "الإجراء والجزاء" –هكذا دون تخصيصٍ ولا تحديد- في قاموس العابثين بسلامتهم، وبوقت وموارد فرق الإنقاذ؟ وأي رعبٍ ستبثه كلماته الضبابية في قلب من يتسلى بتتبع الموت؟

من أجل عمر ومثايل، وغيرهما الكثير من الأبرياء، أظن بأنه بات علينا أن نزيل اللبس حول الإجراءات القانونية التي تنتظر عابري الأودية، وإلا سنتحمّل استمرار حماقاتهم موسماً بعد موسم. فالتهديد بتشديد العقوبات والغرامات، دون أن يفهم أحد منا كعامة ما هي العقوبات والغرامات أصلاً، يبدو غير مجدٍ بقدر جميع محاولات التوعية، والتي أصبحنا نقر الآن بأنها ذهبت أدراج الرياح، وحملها السيل فيمن حمل.

ولنا في السلطنة الشقيقة مثالاً ممتازا، حيث تشير المادة 49 من قانون المرور بكل وضوحٍ إلى أن مخالفة تعمّد عبور الأودية تكلّف صاحبها السجن مدة لا تزيد عن 3 أشهر، وغرامة لا تزيد على 500 ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
فأي عذر سيبقى بعد ذلك أمام الطائشين والمتهورين؟