غلاف رواية "طقس سيئ".(أرشيف)
غلاف رواية "طقس سيئ".(أرشيف)
الجمعة 29 مايو 2020 / 18:48

طقس سيء "الواقع السحري"

هذا البناء الكافكاوي الذي يذكر، بحسب كاظم جهاد، بقلعة كافكا، هو أيضاً نوع من الواقعية السحرية. إذ لا نستطيع أن نفك مسألة طيفية الباقين في القرية

كانت ماري نداي في السابعة عشر حين ألّفت روايتها الأولى "ماذا عن المستقبل الثري" بحسب ترجمة كاظم جهاد في مقدمته لترجمة ماري طوق لروايتها "طقس سيئ".

كانت ماري نداي في أواسط العشرينات حين كتبت روايتها "طقس سيئ" التي هي موضوع هذه المقالة، ويجدر القول إن ماري نداي التي نقلت ماري طوق إلى العربية ثلاثاً من رواياتها، بينها، بالأخص، روايتها "ثلاث نساء قديرات" التي نالت عليها جائزة غونكور.
  
نداي التي ولدت لأب سنغالي وأم فرنسية، واعتبرها البعض لذلك كاتبة فرنكوفونية، لم تعش في السنغال التي عاد إليها أبوها، وبقيت مع أمها في فرنسا كما ورد في مقدمة المراجع كاظم جهاد لترجمة "طقس سيئ"، والأرجح أن دمغها بالفرنكوفونية، واعتبار تميزها وخصوصيتها عائدين إلى هذه الفرنكوفونية لا يخرجان، كما ورد في مقدمة المراجع، عما يعتبره الفيلسوف الفرنسي إيتيان باليبار"التمييز العنصري الجديد" والحق أن تميّز نداي كما يظهر في رواية، "طقس سيئ" وبقية أعمالها، إنما هو، كما يحصل لكل كتابة مؤثرة، خلاصة رؤية وفلسفة خاصتين، الأمر الذي يجعل من نداي مختلفة وسط الأدب الفرنسي.

"طقس سيئ" تبدو لأول وهلة رواية عادية عن هيرمان أستاذ الرياضيات الذي يصطاف مع عائلته، زوجته وابنه، في قرية قريبة من العاصمة. وحين نعلم أن الأستاذ افتقد زوجته وابنه اللذين خرجا ولم يعودا، نبقى في جو العادية نفسها، لكن الأمر لا يبقى نفسه حين نجد أن الأستاذ يضطر إلى مقابلة العمدة الذي لم يستقبله إلا بعد أمد طويل، وفي لقائه مع رئيس مصلحة السياسة، الذي هو مثله ذو أصل باريسي واضطر للبقاء في القرية، بعد حادث سنعلم، بعد ذلك، بأنه قريب من الحادث الذي تعرض له الأستاذ، ومثل الرئيس يبقى هرمان في القرية أملاً بالعثور على عائلته، لكنه إبّان ذلك يتعرّف على أهل القرية، نسائها في الأول اللواتي يضعن أشرطة على صدورهن، إذا كن ذوات رجال، ورجالها الذين، كبقية أهل القرية، يعيشون في نظام حديدي يخرج عن العادية، فالقرية هي هذا النظام السائد الذي يتم طبقاً لمواضعات جامعة. عندئذ نفهم ولا نفهم لماذا بقيت الزوجة والإبن في القرية. ليست هي المرة الأولى الذي يبقى فيها في القرية أشخاص آتون من باريس يقررون أن يستمروا فيها. لقد حصل الأمر نفسه مع رئيس مصلحة السياحة وهذا ما ألزمه بالبقاء، وسيحدث ذلك مع الأستاذ. أما الذي يحصل مع الأستاذ فهو الذي حصل مع الرئيس، لقد ارتضى بالبقاء، بل وصار الانتقال من القرية ولو إلى مدينة قريبة، يزعجه. هذا أيضاً مصدر غرابة تبقى معلقة فوق النص، أما الأكثر غرابة، فهو أن الزوج والإبن باقيان ويقطنان في بيت يهتدي إليه الأستاذ. لكنهما طيفان وسيقابلهما الأستاذ كطيفين، وسيكلمهما بدون أن يحظى بجواب وسيرتضي ذلك، تلك الدعوة لأن يبقى هو أيضاً في القرية، وسيعتذر عن العودة إلى مهمته كأستاذ في باريس.

هذا البناء الكافكاوي الذي يذكر، بحسب كاظم جهاد، بقلعة كافكا، هو أيضاً نوع من الواقعية السحرية. إذ لا نستطيع أن نفك مسألة طيفية الباقين في القرية. يمكننا بدرجة أقل أن نفهم نظام القرية ولا عاديتها وقدرتها على تحويل القادمين إليها وإدماجهم في نظامها، لكن رعب هذا النظام سرعان ما ينتهي إلى طيفية هؤلاء. تلك الطيفية التي لا يكترث لها أهل القرية، وكأنها جزء من وجودهم ومبنى حياتهم، أي جزء من نظامهم الحديدي، الذي هو، في نفس الوقت، محكم وبارد ومتصل. بقي علينا في الختام أن ننوّه بترجمة ماري طوق ومقدمة كاظم جهاد.